عليكم من لسان العرب. ووجه من أجاز ذلك قوله : بأن مثوبة مصدر يقع للماضي والاستقبال ، فصلح لذلك من حيث وقوعه للمضي. وقد تكلمنا على هذه المسألة في (كتاب التكميل) من تأليفنا ، بأشبع من هذا. وقرأ الجمهور : لمثوبة بضم الثاء ، كالمشورة. وقرأ قتادة وأبو السمال وعبد الله بن بريدة : بسكون الثاء ، كمشورة. ومعنى قوله : لمثوبة ، أي لثواب ، وهو الجزاء والأجر على الإيمان والتقوى بأنواع الإحسان. وقيل : لمثوبة : لرجعة إلى الله خير.
(مِنْ عِنْدِ اللهِ) : هذا الجار والمجرور في موضع الصفة ، أي كائنة من عند الله. وهذا الوصف هو المسوّغ لجواز الابتداء بالنكرة. وفي وصف المثوبة بكونها من عند الله ، تفخيم وتعظيم لها ، ولمناسبة الإيمان والتقوى. لذلك ، كان المعنى : أن الذي آمنتم به واتقيتم محارمه ، هو الذي ثوابكم منه على ذلك ، فهو المتكفل بذلك لكم. واكتفى بالتنكير في ذلك ، إذ المعنى لشيء من الثواب.
قليلك لا يقال له قليل
(خَيْرٌ) خبر لقوله : لمثوبة ، وليس خير هنا أفعل تفضيل ، بل هي للتفضيل ، لا للأفضلية. فهي كقوله : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ) ، و (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا).
فشركما لخيركما الفداء
(لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) : جواب لو محذوف : التقدير : لو كانوا يعلمون لكان تحصيل المثوبة خيرا ، ويعني سبب المثوبة ، وهو الإيمان والتقوى. ولذلك قدّره بعضهم لآمنوا ، لأن من كان ذا علم وبصيرة ، لم يخف عليه الحق ، فهو يسارع إلى اتباعه ، ولا الباطل ، فهو يبالغ في اجتنابه. ومفعول يعلمون محذوف اقتصارا ، فالمعنى : لو كانوا من ذوي العلم ، أو اختصارا ، فقدره بعضهم : لو كانوا يعلمون التفضيل في ذلك ، وقدره بعضهم : لو كانوا يعلمون أن ما عند الله خير وأبقى. وقيل : العلم هنا كناية عن العمل ، أي لو كانوا يعلمون بعلمهم ، ولما انتفت ثمرة العلم الذي هو العمل ، جعل العلم منتفيا.
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة ما كان عليه اليهود من خبث السريرة ، وعدم التوفيق والطواعية لأنبياء الله ، ونصب المعاداة لهم ، حتى انتهى ذلك إلى عداوتهم من لا يلحقه