كان هكذا فلا ينبغي أن تخرج الآية عليه ، لأن فيه حذف حرف مصدري ، وإبقاء صلته في غير المواضع المنقاس ذلك فيها. الوجه الرابع : أن يكون التقدير : أن لا تعبدوا ، فحذف أن وارتفع الفعل ، ويكون ذلك في موضع نصب على البدل من قوله : (مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ). وفي هذا الوجه ما في الذي قبله من أن الصحيح عدم اقتياس ذلك ، أعني حذف أن ورفع الفعل ونصبه. الوجه الخامس : أن تكون محكية بحال محذوفة ، أي قائلين لا تعبدون إلا الله ، ويكون إذ ذاك لفظه لفظ الخبر ، ومعناه النهي ، أي قائلين لهم لا تعبدوا إلا الله ، قاله الفراء ، ويؤيده قراءة أبي وابن مسعود ، والعطف عليه قوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً). الوجه السادس : أن يكون المحذوف القول ، أي وقلنا لهم : (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) ، وهو نفي في معنى النهي أيضا. قال الزمخشري : كما يقول تذهب إلى فلان ، تقول له كذا ، تريد الأمر ، وهو أبلغ من صريح الأمر والنهي ، لأنه كان سورع إلى الامتثال والانتهاء ، فهو يخبر عنه. انتهى كلامه ، وهو حسن. الوجه السابع : أن يكون التقدير أن لا تعبدون ، وتكون أن مفسرة لمضمون الجملة ، لأن في قوله : (أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) معنى القول ، فحذف أن المفسرة وأبقى المفسر. وفي جواز حذف أن المفسرة نظر. الوجه الثامن : أن تكون الجملة تفسيرية ، فلا موضع لها من الإعراب ، وذلك أنه لما ذكر أنه أخذ ميثاق بني إسرائيل ، كان في ذلك إيهام للميثاق ما هو ، فأتى بهذه الجملة مفسرة للميثاق ، فمن قرأ بالياء ، فلأن بني إسرائيل لفظ غيبة ، ومن قرأ بالتاء ، فهو التفات ، وحكمته الإقبال عليهم بالخطاب ، ليكون أدعى للقبول ، وأقرب للامتثال ، إذ فيه الإقبال من الله على المخاطب بالخطاب. ومع جعل الجملة مفسرة ، لا تخرج عن أن يكون نفي أريد به نهي ، إذ تبعد حقيقة الخبر فيه.
إلا الله : استثناء مفرّع ، لأن لا تعبدون لم يأخذ مفعوله ، وفيه التفات. إذ خرج من ضمير المتكلم إلى الاسم الغائب. ألا ترى أنه لو جرى على نسق واحد لكان نظم الكلام لا تعبدون إلا إيانا؟ لكن في العدول إلى الاسم الظاهر من الفخامة ، والدلالة على سائر الصفات ، والتفرّد بالتسمية به ، ما ليس في المضمر ، ولأن ما جاء بعده من الأسماء ، إنما هي أسماء ظاهرة ، فناسب مجاورة الظاهر الظاهر.
(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) المعنى : الأمر بالإحسان إلى الوالدين وبرهما وإكرامهما. وقد تضمنت آي من القرآن وأحاديث كثيرة ذلك ، حتى عد العقوق من الكبائر ، وناهيك احتفالا