وهو على وزن فعلى ، كالسرى والبكى. وزعم بعض أكابر نحاتنا أنه لم يجئ من فعلى مصدر سوى هذه الثلاثة ، وليس بصحيح ، فقد ذكر لي شيخنا اللغوي الإمام في ذلك رضي الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن يوسف الشاطبي أن العرب قالت : لقيته لقى ، وأنشدنا لبعض العرب :
وقد زعموا حلما لقاك ولم أزد |
|
بحمد الذي أعطاك حلما ولا عقلا |
وقد ذكر ذلك غيره من اللغويين وفعل يكون جمعا معدولا وغير معدول ، ومفردا وعلما معدولا وغير معدول ، واسم جنس لشخص ولمعنى وصفة معدولة وغير معدولة ، مثل ذلك : جمع وغرف وعمر وأدد ونغر وهدى وفسق وحطم. (لِلْمُتَّقِينَ) المتقي اسم فاعل من اتقى ، وهو افتعل من وقى بمعنى حفظ وحرس ، وافتعل هنا : للاتخاذ أي اتخذ وقاية ، وهو أحد المعاني الإثني عشر التي جاءت لها افتعل ، وهو : الاتخاذ ، والتسبب ، وفعل الفاعل بنفسه ، والتخير ، والخطفة ، ومطاوعة أفعل ، وفعل ، وموافقة تفاعل ، وتفعل ، واستفعل ، والمجرد ، والإغناء عنه ، مثل ذلك : اطبخ ، واعتمل واضطرب ، وانتخب ، واستلب ، وانتصف مطاوع أنصف ، واغتم مطاوع غممته ، واجتور ، وابتسم ، واعتصم ، واقتدر ، واستلم الحجر. وإبدال الواو في اتقى تاء وحذفها مع همزة الوصل قبلها فيبقى تقى مذكور في علم التصريف.
فأما هذه الحروف المقطعة أوائل السور ، فجمهور المفسرين على أنها حروف مركبة ومفردة ، وغيرهم يذهب إلى أنها أسماء عبر بها عن حروف المعجم التي ينطق بالألف واللام منها في نحو : قال ، والميم في نحو : ملك ، وبعضهم يقول : إنها أسماء السور ، قاله زيد بن أسلم. وقال قوم : إنها فواتح للتنبيه والاستئناف ليعلم أن الكلام الأول قد انقضى. قال مجاهد : هي في فواتح السور كما يقولون في أول الإنشاد لشهير القصائد. بل ولا بل نحا هذا النحو أبو عبيدة والأخفش. وقال الحسن : هي أسماء السور وفواتحها ، وقوم : إنها أسماء الله أقسام أقسم الله بها لشرفها وفضلها. وروي عن ابن عباس وقوم : هي حروف متفرقة دلت على معان مختلفة ، وهؤلاء اختلفوا في هذه المعاني فقال قوم : يتألف منها اسم الله الأعظم ، قاله علي وابن عباس ، إلا أنّا لا نعرف تأليفه منها ، أو اسم ملك من ملائكته ، أو نبي من أنبيائه ، لكن جهلنا طريق التأليف. وقال سعيد بن جبير : هي أسماء الله تعالى مقطعة ، لو أحسن الناس تأليفها تعلموا اسم الله الأعظم. وقال قتادة : هي أسماء القرآن كالفرقان. وقال أبو العالية : ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسماء الله تعالى.