قليل ، وقال هذا المعنى ابن عباس وقتادة ، وملخصه : أن القلة إما للنسبة للفعل الذي هو المصدر ، أو للزمان ، أو للمؤمن به ، أو للفاعل. فبالنسبة إلى المصدر : تكون القلة بحسب متعلقه ، لأن الإيمان لا يتصف بالقلة والكثرة حقيقة. وبالنسبة إلى الزمان : تكون القلة فيه لكونه قبل مبعثه ، صلىاللهعليهوسلم ، قليلا ، وهو زمان الاستفتاح ، ثم كفروا بعد ذلك. وبالنسبة إلى المؤمن به : تكون القلة لكونهم لم يبق لهم من ذلك إلا توحيد الله على غير وجهه ، إذ هم مجسمون ، وقد كذبوا بالرسول وبالتوراة. وبالنسبة للفاعل : تكون القلة لكون من آمن منهم بالرسول قليلا. وقال الواقدي : المعنى أي لا قليلا ولا كثيرا ، يقال قل ما يفعل ، أي ما يفعل أصلا. وقال ابن الأنباري : إن المعنى فما يؤمنون قليلا ولا كثيرا. وقال المهدوي : مذهب قتادة أن المعنى : فقليل منهم من يؤمن ، وأنكره النحويون وقالوا : لو كان كذلك للزم رفع قليل. وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون القلة بمعنى العدم ، وما ذهبوا إليه من أن قليلا يراد به النفي صحيح ، لكن في غير هذا التركيب ، أعني قوله تعالى : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) ، لأن قليلا انتصب بالفعل المثبت ، فصار نظير : قمت قليلا ، أي قياما قليلا. ولا يذهب ذاهب إلى أنك إذا أتيت بفعل مثبت ، وجعلت قليلا منصوبا نعتا لمصدر ذلك الفعل ، يكون المعنى في المثبت الواقع على صفة أو هيئة انتفاء ذلك المثبت رأسا وعدم وقوعه بالكلية. وإنما الذي نقل النحويون أنه قد يراد بالقلة النفي المحض في قولهم : أقل رجل يقول ذلك ، وقل رجل يقول ذلك ، وقلما يقوم زيد ، وقليل من الرجال يقول ذلك ، وقليلة من النساء تقول ذلك. وإذا تقرر هذا ، فحمل القلة هنا على النفي المحض ليس بصحيح. وأما ما ذكره المهدوي من مذهب قتادة ، وإنكار النحويين ذلك ، وقولهم : لو كان كذلك للزم رفع قليل. فقول قتادة صحيح ، ولا يلزم ما ذكره النحويون ، لأن قتادة إنما بين المعنى وشرحه ، ولم يرد شرح الأعراب فيلزمه ذلك. وإنما انتصاب قليلا عنده على الحال من الضمير في يؤمنون ، والمعنى عنده : فيؤمنون قوما قليلا ، أي في حالة قلة. وهذا معناه : فقليل منهم من يؤمن. وما في قوله : ما يؤمنون ، زائدة مؤكدة ، دخلت بين المعمول والعامل ، نظير قولهم : رويد ما الشعر ، وخرج ما أنف خاطب بدم. ولا يجوز في ما أن تكون مصدرية ، لأنه كان يلزم رفع قليل حتى ينعقد منهما مبتدأ وخبر. والأحسن من هذه المعاني كلها هو الأول ، وهو أن يكون المعنى : فإيمانا قليلا يؤمنون ، لأن دلالة الفعل على مصدره أقوى من دلالته على الزمان ، وعلى الهيئة ، وعلى المفعول ، وعلى الفاعل ، ولموافقته ظاهر قوله تعالى : (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً). وأما قول العرب : مررنا بأرض قليلا