لأن تثقيل فعل الصحيح العين لا يجوز إلا في الشعر. يقال غلفت السيف : جعلت له غلافا. فأما من قرأ : غلف بالإسكان ، فمعناه أنها مستورة عن الفهم والتمييز. وقال مجاهد : أي عليها غشاوة. وقال عكرمة : عليها طابع. وقال الزجاج : ذوات غلف ، أي عليها غلف لا تصل إليها الموعظة. وقيل معناه : خلقت غلفا لا تتدبر ولا تعتبر. وقيل : محجوبة عن سماع ما تقول وفهم ما تبين. ويحتمل على هذه القراءة أن يكون قولهم هذا على سبيل البهت والمدافعة ، حتى يسكتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ويحتمل أن يكون ذلك خبرا منهم بحال قلوبهم ، لأن الأول فيه ذم أنفسهم بما ليس فيها ، وكانوا يدفعون بغير ذلك ، وأسباب الدفع كثيرة. وأما من قرأ بضم اللام فمعناه أنها أوعية للعلم ، أقاموا العلم مقام شيء مجسد ، وجعلوا الموانع التي تمنعهم غلفا له ، ليستدل بالمحسوس على المعقول.
ويحتمل أن يريدوا بذلك أنها أوعية للعلم ، فلو كان ما تقوله حقا وصدقا لوعته ، قاله ابن عباس وقتادة والسدّي. ويحتمل أن يكون المعنى : أن قلوبنا غلف ، أي مملوءة علما ، فلا تسع شيئا ، ولا تحتاج إلى علم غيره ، فإن الشيء المغلف لا يسع غلافه غيره. ويحتمل أن يكون المعنى : أن قلوبهم غلف على ما فيها من دينهم وشريعتهم ، واعتقادهم أن دوام ملتهم إلى يوم القيامة ، وهي لصلابتها وقوّتها ، تمنع أن يصل إليها غير ما فيها ، كالغلاف الذي يصون المغلف أن يصل إليه ما بغيره. وقيل : المعنى كالغلاف الخالي لا شيء فيه.
(بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) : بل : للإضراب ، وليس إضرابا عن اللفظ المقول ، لأنه واقع لا محالة ، فلا يضرب عنه ، وإنما الإضراب عن النسبة التي تضمنها قولهم : إن قلوبهم غلف ، لأنها خلقت متمكنة من قبول الحق ، مفطورة لإدراك الصواب ، فأخبروا عنها بما لم تخلق عليه. ثم أخبر تعالى أنهم لعنوا بسبب ما تقدم من كفرهم ، وجازاهم بالطرد الذي هو اللعن المتسبب عن الذنب الذي هو الكفر. (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) : انتصاب قليلا على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي فإيمانا قليلا يؤمنون ، قاله قتادة. وعلى مذهب سيبويه : انتصابه على الحال ، التقدير : فيؤمنونه ، أي الإيمان في حال قلته. وجوزوا انتصابه على أنه نعت لزمان محذوف ، أي فزمانا قليلا يؤمنون ، لقوله تعالى : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) (١). وجوزوا أيضا انتصابه بيؤمنون على أن أصله فقليل يؤمنون ، ثم لما أسقط الباء تعدى إليه الفعل ، وهو قول معمر. وجوّزوا أيضا أن يكون حالا من الفاعل الذي هو الضمير في يؤمنون ، المعنى : أي فجمعا قليلا يؤمنون ، أي المؤمن منهم
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٧٠.