إن شئت لم تجىء بما ، انتهى كلامه. وقد كثر السماع بعدم النون بعد إما ، قال الشنفري :
فإما تريني كابنة الرمل ضاحيا |
|
على رقة أحفى ولا أتنعل |
وقال آخر :
يا صاح إما تجدني غير ذي جدة |
|
فما التخلي عن الإخوان من شيمي |
وقال آخر :
زعمت تماضر أنني إما أمت |
|
تسددا بينوها الأصاغر خلتي |
والقياس يقبله ، لأن ما زيدت حيث لا يمكن دخول النون ، نحو قول الشاعر :
إمّا أقمت وإمّا كنت مرتحلا |
|
فالله يحفظ ما تبقى وما تذر |
فكما جاءت هنا زائدة بعد أن ، فكذلك في نحو : إما تقم يأتينكم ، مبني مفتوح الآخر. واختلف في هذه الفتحة أهي للبناء ، أم بني على السكون وحرك بالفتحة لالتقاء الساكنين : وقد أوضحنا ذلك في كتابنا المسمى (بالتكميل لشرح التسهيل). (مِنِّي) : متعلق بيأتينكم ، وهذا شبيه بالالتفات ، لأنه انتقل من الضمير الموضوع للجمع ، أو المعظم نفسه ، إلى الضمير الخاص بالمتكلم المفرد. وقد ذكرنا حكمة ذاك الضمير في : قلنا ، عند شرح قوله : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ) (١) ، وحكمة هذا الانتقال هنا أن الهدى لا يكون إلا منه وحده تعالى ، فناسب الضمير الخاص كونه لا هادي إلا هو تعالى ، فأعطى الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره الضمير الخاص الذي لا يحتمل غيره تعالى. وفي قوله : مني ، إشارة إلى أن الخير كله منه ، ولذلك جاء : (قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (٢) ، و (قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ) (٣) ، فأتى بكلمة : من ، الدالة على الابتداء في الأشياء ، لينبه على أن ذلك صادر منه ومبتدأ من جهته تعالى ، وأتى بأداة الشرط في قوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) ، وهي تدخل على ما يتردد في وقوعه ، والذي أنبهم زمان وقوعه ، وإتيان الهدى واقع لا محالة ، لأنه أنبهم وقت الإتيان ، أو لأنه آذن ذلك بأن توحيد الله تعالى ليس شرطا فيه إتيان رسل منه ، ولا إنزال كتب بذلك ، بل لو لم يبعث رسلا ، ولا أنزل كتبا ، لكان الإيمان به واجبا ، وذلك لما ركب فيهم من العقل ، ونصب لهم من الأدلة ، ومكن لهم من الاستدلال ، كما قال :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٣٥.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٧٤.
(٣) سورة يونس : ١٠ / ٥٧.