خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١) ، فهنا يدل على أنهم كلهم خوطبوا بالهبوط ، فقد دلا على اتحاد زمان الهبوط. وأبعد ابن عطية في قوله : كأنه قال هبوطا جميعا ، أو هابطين جميعا ، فجعله نعتا لمصدر محذوف ، أو لاسم فاعل محذوف ، كل منهما يدل عليه الفعل. قال : لأن جميعا ليس بمصدر ولا اسم فاعل ، مع منافاة ما قدره للحكم الذي صدره ، لأنه قال : أولا وجميعا حال من الضمير في اهبطوا. فإذا كان حالا من الضمير في اهبطوا على ما قرر أولا ، فكيف يقدر ثانيا؟ كأنه قال : هبوطا جميعا ، أو هابطين جميعا. فكلامه أخيرا يعارض حكمه أولا ، ولا ينافي كونه ليس بمصدر ولا اسم فاعل وقوعه حالا حتى يضطر إلى هذا التقدير الذي قدره. وأبعد غيره أيضا في زعمه أن التقدير : وقلنا اهبطوا مجتمعين ، فهبطوا جميعا ، فجعل ثم حالا محذوفة لدلالة جميعا عليها ، وعاملا محذوفا لدلالة اهبطوا عليه. ولا يلتئم هذا التقدير مع ما بعده إلا على إضمار قول : أي فقلنا : إما يأتينكم.
وقد تقدم الكلام في المأمورين بالهبوط ، وعلى تقدير أن يكون هبوطا ثانيا ، فقيل يخص آدم وحواء ، لأن إبليس لا يأتيه هدى ، وخصا بخطاب الجمع تشريفا لهما. وقيل : يندرج في الخطاب لأن إبليس مخاطب بالإيمان بالإجماع ، وإن شرطية وما زائدة بعدها للتوكيد ، والنون في يأتينكم نون التوكيد ، وكثر مجيء هذا النحو في القرآن : (فَإِمَّا تَرَيِنَ) (٢) ، (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) (٣) ، (فَإِمَّا نَذْهَبَنَ) (٤). قال أبو العباس المهدوي : إن : هي ، التي للشرط زيدت عليها ما للتأكيد ليصح دخول النون للتوكيد في الفعل ، ولو سقطت ، يعني ما لم تدخل النون ، فما تؤكد أول الكلام ، والنون تؤكد آخره. وتبعه ابن عطية في هذا فقال : فإن هي للشرط ، دخلت ما عليها مؤكدة ليصح دخول النون المشددة ، فهي بمثابة لام القسم التي تجيء لمجيء النون ، انتهى كلامه. وهذا الذي ذهبا إليه من أن النون لازمة لفعل الشرط إذا وصلت إن بما ، هو مذهب المبرد والزجاج ، زعما أنها تلزم تشبيها بما زيدت للتأكيد في لام اليمين نحو : والله لأخرجن. وزعموا أن حذف النون إذا زيدت ما بعد إن ضرورة. وذهب سيبويه والفارسي وجماعة من المتقدمين إلى أن ذلك لا يختص بالضرورة ، وأنه يجوز في الكلام إثباتها وحذفها ، وإن كان الإثبات أحسن. وكذلك يجوز حذف ما وإثبات النون ، قال سيبويه : في هذه المسألة وإن شئت لم تقحم النون ، كما أنك
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٩.
(٢) سورة مريم : ٢٩ / ٢٩.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٢٠٠.
(٤) سورة الزخرف : ٤٣ / ٤١.