المتردد فيه لأمر ما ، وسيأتي الكلام على ذلك في نحو : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ) (١) إن شاء الله.
ولما دخلت للتأكيد في قوله : (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ، قوي التأكيد بتأكيد آخر ، وهو لفظة : (هُوَ). وقد ذكرنا فائدته في قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢). وبولغ أيضا في الصفتين بعده ، فجاء التواب : على وزن فعال ، والرحيم : على وزن فعيل ، وهما من الأمثلة التي صيغت للمبالغة. وهذا كله ترغيب من الله تعالى للعبد في التوبة والرّجوع إلى الطاعة ، وإطماع في عفوه تعالى وإحسانه لمن تاب إليه. والتواب من أسمائه تعالى ، وهو الكثير القبول لتوبة العبد ، أو الكثير الإعانة عليها. وقد ورد هذا الاسم في كتاب الله معرفا ومنكرا ، ووصف به تعالى نفسه ، فدل ذلك على أنه مما استأثر به تعالى. وذهب بعضهم إلى أنه تعالى لا يوصف به إلا تجوزا ، وأجمعوا أنه لا يوصف تعالى بتائب ولا آئب ولا رجاع ولا منيب ، وفرق بين إطلاقه على الله تعالى وعلى العبد ، وذلك لاختلاف صلتيهما. ألا ترى : فتاب عليه ، وتوبوا إلى الله؟ فالتوبة من الله على العبد هي العطف والتفضل عليه ، ومن العبد هي الرّجوع إلى طاعته تعالى ، لطلب ثواب ، أو خشية عقاب ، أو رفع درجات. وأعقب الصفة الأولى بصفة الرحمة ، لأن قبول التوبة سببه رحمة الله لعبده ، وتقدم التواب لمناسبة فتاب عليه ، ولحسن ختم الفاصلة بقوله : (الرَّحِيمُ). وقد تقدم الكلام في البسملة على لفظة الرحيم وما يتعلق بها ، فأغنى ذلك عن إعادته.
(قُلْنَا اهْبِطُوا) ، كرّر القول ، إما على سبيل التأكيد المحض ، لأن سبب الهبوط كان أول مخالفة ، فكرّر تنبيها على ذلك ، أو لاختلاف متعلقيهما ، لأن الأول علق به العداوة ، والثاني علق بإتيان الهدى. وأما لا على سبيل التأكيد ، بل هما هبوطان حقيقة ، الأول من الجنة إلى السماء ، والثاني من السماء إلى الأرض. وضعف هذا الوجه بقوله في الهبوط الأول : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) ، ولم يحصل الاستقرار على هذا التخريج إلا بالهبوط الثاني ، فكان ينبغي الاستقرار أن يذكر فيه وبقوله في الهبوط الثاني منها ، وظاهر الضمير أنه يعود إلى الجنة ، فاقتضى ذلك أن يكون الهبوط الثاني منها.
(جَمِيعاً) : حال من الضمير في اهبطوا ، وقد تقدم الكلام في لفظة جميعا وأنها تقتضي التعميم في الحكم ، لا المقارنة في الزمان عند الكلام على قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي
__________________
(١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٥.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٨٨.