ابن عباس وقتادة وابن جبير ، وقد اختلف في اسمه فقيل : عزازيل ، وقيل : الحرث. وقيل : هو استثناء منقطع ، وأنه أبو الجن ، كما أن آدم أبو البشر ، ولم يكن قط ملكا ، قاله ابن زيد والحسن ، وروي عن ابن عباس. وروي عن ابن مسعود وشهر بن حوشب : أنه من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة ، فسبوه صغيرا وتعبد مع الملائكة وخوطب معهم ، واستدل على أنه ليس من الملائكة بقوله تعالى : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) (١) فعم ، فلا يجوز على الملائكة الكفر ولا الفسق ، كما لا يجوز على رسله من البشر ، وبقوله : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٢) ، وبقوله : (كانَ مِنَ الْجِنِ) (٣) وبأن له نسلا ، بخلاف الملائكة ، والظاهر أنه استثناء متصل لتوجه الأمر على الملائكة ، فلو لم يكن منهم لما توجه الأمر عليه ، فلم يقع عليه ذم لتركه فعل ما لم يؤمر به. وأما جاعل الملائكة رسلا ، ولا يعصون الله ما أمرهم ، فهو عام مخصوص ، إذ عصمتهم ليست لذاتهم ، إنما هي بجعل الله لهم ذلك ، وأما إبليس فسلبه الله تعالى الصفات الملكية وألبسه ثياب الصفات الشيطانية. وأما قوله تعالى : (كانَ مِنَ الْجِنِ) ، فقال قتادة : هم صنف من الملائكة يقال لهم الجنة. وقال ابن جبير : سبط من الملائكة خلقوا من نار ، وإبليس منهم ، أو أطلق عليه من الجن لأنه لا يرى ، كما سمي الملائكة جنة ، أو لأنه سمي باسم ما غلب عليه ، أو بما كان من فعله ، أو لأن الملائكة تسمى جنا. قال الأعشى في ذكر سليمان على نبينا وعليهالسلام :
وسخر من جن الملائك تسعة |
|
قياما لديه يعملون بلا أجر |
(أَبى) : امتنع وأنف من السجود لآدم. (وَاسْتَكْبَرَ) : تكبر وتعاظم في نفسه وقدم الإباء على الاستكبار ، وإن كان الاستكبار هو الأول ، لأنه من أفعال القلوب وهو التعاظم ، وينشأ عنه الإباء من السجود اعتبارا بما ظهر عنه أولا ، وهو الامتناع من السجود ، ولأن المأمور به هو السجود ، فلما استثنى إبليس كان محكوما عليه بأنه ترك السجود ، أو بأنه مسكوت عنه غير محكوم عليه على الاختلاف الذي نذكره قريبا إن شاء الله. والمقصود : الإخبار عنه بأنه خالف حاله حال الملائكة. فناسب أن يبدأ أولا بتأكيد ما حكم به عليه في الاستثناء ، أو بإنشاء الإخبار عنه بالمخالفة ، والذي يؤدي هذا المعنى هو الإباء من السجود. والخلاف الذي أشرنا إليه هو أنك إذا قلت : قام القوم إلا زيدا ، فمذهب
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٥ / ١.
(٢) سورة التحريم : ٦٦ / ٦.
(٣) سورة الكهف : ١٨ / ٥٠.