الكسائي أن التخريج من الاسم ، وأن زيدا غير محكوم عليه بقيام ولا غيره ، فيحتمل أن يكون قد قام ، وأن يكون غير قائم. ومذهب الفراء أن الاستثناء من القول ، والصحيح مذهبنا ، وهو أن الاسم مستثنى من الاسم وأن الفعل مستثنى من الفعل. ودلائل هذه المذاهب مذكورة في كتب النحو ، ومفعول أبى محذوف لأنه يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد ، قال الشاعر :
أبى الضيم والنعمان يحرق نابه |
|
عليه فأفضى والسيوف معاقله |
والتقدير : أبى السجود ، وأبى من الأفعال الواجبة التي معناها النفي ، ولهذا يفرغ ما بعد إلا كما يفرغ لفعل المنفي ، قال تعالى : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) (١) ، ولا يجوز : ضربت إلا زيدا على أن يكون استثناء مفرغا لأن إلا لا تدخل في الواجب ، وقال الشاعر :
أبى الله إلا عدله ووفاءه |
|
فلا النكر معروف ولا العرف ضائع |
وأبى زيد الظلم : أبلغ من لم يظلم ، لأن نفي الشيء عن الشخص قد يكون لعجز أو غيره ، فإذا قلت : أبى زيد كذا ، دل على نفي ذلك عنه على طريق الامتناع والأنفة منه ، فلذلك جاء قوله تعالى : (أَبى) ، لأن استثناء إبليس لا يدل إلا على أنه لم يسجد ، فلو اقتصر عليه لجاز أن يكون تخلفه عن السجود لأمر غير الإباء ، فنص على سبب كونه لم يسجد وهو الإباء والأنفة.
(وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) قيل : كان بمعنى صار ، وقيل : على بابها أي كان في علم الله لأنه لا خلاف أنه كان عالما بالله قبل كفره. فالمعنى : أنه كان في علم الله سيكون من الكافرين. قال أبو العالية : من العاصين ، وصلة أل هنا ظاهرها الماضي ، فيكون قد سبق إبليس كفار ، وهم الجن الذين كانوا في الأرض ، أو يكون إبليس أول من كفر مطلقا ، إن لم يصح أنه كان كفار قبله ، وإن صح ، فيفيد أول من كفر بعد إيمانه ، أو يراد الكفر الذي هو التغطية للحق ، وكفر إبليس قيل : جهل سلبه الله ما كان وهبه من العلم ، فخالف الأمر ونزع يده من الطاعة ، وقيل : كفر عناد ولم يسلب العلم بل كان الكبر مانعه من السجود. قال ابن عطية : والكفر عنادا مع بقاء العلم مستبعد ، إلا أنه عندي جائز لا يستحيل مع خذل الله لمن شاء ، انتهى كلامه.
وهذا الذي ذكره جوازه واقع بالفعل. هذا فرعون كان عالما بوحدانية الله وربوبيته
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٣٢.