فهموا الفور من شيء آخر غير موضوع اللفظ ، فلذلك بادروا بالفعل ولم يتأخروا. والسجود المأمور به والمفعول إيماء وخضوع ، قاله الجمهور ، أو وضع الجبهة على الأرض مع التذلل ، أو إقرارهم له بالفضل واعترافهم له بالمزية ، وهذا يرجع إلى معنى السجود اللغوي ، قال : فإن من أقر لك بالفضل فقد خضع لك. (لِآدَمَ) : من قال بالسجود الشرعي قال : كان السجود تكرمة وتحية له ، وهو قول الجمهور : علي وابن مسعود وابن عباس ، كسجود أبوي يوسف ، لا سجود عبادة ، أو لله تعالى ، ونصبه الله قبلة لسجودهم كالكعبة ، فيكون المعنى إلى آدم ، قاله الشعبي ، أو لله تعالى ، فسجد وسجدوا مؤتمين به ، وشرفه بأن جعله إماما يقتدون به. والمعنى في : (لِآدَمَ) أي مع آدم. وقال قوم : إنما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم قبل أن يخلقه ، فالسجود امتثال لأمر الله ، والسجود له ، قاله مقاتل ، والقرآن يرد هذا القول. وقال قوم : كان سجود الملائكة مرتين. قيل : والإجماع يرد هذا القول ، والظاهر أن السجود هو بالجبهة لقوله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (١). وقيل : لا دليل في ذلك ، لأن الجاثي على ركبتيه واقع ، وأن السجود كان لآدم على سبيل التكرمة ، وقال بعضهم : السجود لله بوضع الجبهة ، وللبشر بالانحناء ، انتهى. ويجوز أن يكون السجود في ذلك الوقت للبشر غير محرم ، وقد نقل أن السجود كان في شريعة من قبلنا هو التحية ، ونسخ ذلك في الإسلام. وقيل : كان السجود لغير الله جائزا إلى زمن يعقوب ، ثم نسخ ، وقال الأكثرون : لم ينسخ إلى عصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال في حديث عرض عليه الصحابة أن يسجدوا له : «لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا لله رب العالمين» ، وأن معاذا سجد للنبي صلىاللهعليهوسلم فنهاه عن ذلك. قال ابن عطاء : لما استعظموا تسبيحهم وتقديسهم أمرهم بالسجود لغيره ليريهم بذلك استغناءه عنهم وعن عبادتهم.
(فَسَجَدُوا) ، ثم : محذوف تقديره : فسجدوا له ، أي لآدم. دل عليه قول : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) ، واللام في لآدم للتبيين ، وهو أحد المعاني السبعة عشر التي ذكرناها عند شرح (الْحَمْدُ لِلَّهِ). (إِلَّا إِبْلِيسَ) : هو مستثنى من الضمير في فسجدوا ، وهو استثناء من موجب في نحو هذه المسألة فيترجح النصب ، وهو استثناء متصل عند الجمهور : ابن مسعود وابن عباس وابن المسيب وقتادة وابن جريج ، واختاره الشيخ أبو الحسن والطبري ، فعلى هذا يكون ملكا ثم أبلس وغضب عليه ولعن فصار شيطانا. وروى في ذلك آثار عن
__________________
(١) سورة الحجر : ١٥ / ٢٩.