من المعظم. وقد جاء في القرآن نظائر لهذا ، منها : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ) (١) ، (وَقُلْنَا اهْبِطُوا) (٢) ، (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً) (٣) ، وقلنا من بعده لبني إسرائيل : (اسْكُنُوا الْأَرْضَ) (٤) ، (وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ) (٥) ، (وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا) (٦). فأنت ترى هذا الأمر وهذا النهي كيف تقدّمهما الفعل المسند إلى المتكلم المعظم نفسه ، لأن الآمر اقتضى الاستعلاء على المأمور ، فظهر للمأمور بصفة العظمة ، ولا أعظم من الله تعالى ، والمأمورون بالسجود ، قال السدي : عامة الملائكة. وقال ابن عباس : الملائكة الذين يحكمون في الأرض. وقرأ الجمهور : للملائكة بجر التاء. وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع وسليمان بن مهران : بضم التاء ، اتباعا لحركة الجيم ونقل أنها لغة أزدشنوءة. قال الزجاج : هذا غلط من أبي جعفر ، وقال الفارسي : هذا خطأ ، وقال ابن جني : لأن كسرة التاء كسرة إعراب ، وإنما يجوز هذا الذي ذهب إليه أبو جعفر ، إذا كان ما قبل الهمزة ساكنا صحيحا نحو : (وَقالَتِ اخْرُجْ) (٧). وقال الزمخشري : لا يجوز لاستهلاك الحركة الإعرابية بحركة الاتباع إلا في لغة ضعيفة كقولهم : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، انتهى كلامه. وإذا كان ذلك في لغة ضعيفة ، وقد نقل أنها لغة أزدشنوءة ، فلا ينبغي أن يخطأ القارئ بها ولا يغلط ، والقارئ بها أبو جعفر ، أحد القراء المشاهير الذين أخذوا القرآن عرضا عن عبد الله بن عباس وغيره من الصحابة ، وهو شيخ نافع بن أبي نعيم ، أحد القراء السبعة ، وقد علل ضم التاء لشبهها بألف الوصل ، ووجه الشبه أن الهمزة تسقط في الدرج لكونها ليست بأصل ، والتاء في الملائكة تسقط أيضا لأنها ليست بأصل. ألا تراهم قالوا : الملائك؟ وقيل : ضمت لأن العرب تكره الضمة بعد الكسرة لثقلها.
(اسْجُدُوا) : أمر ، وتقتضي هذه الصيغة طلب إيقاع الفعل في الزمان المطلق استقباله ، ولا تدل بالوضع على الفور ، وهذا مذهب الشافعي والقاضي أبي بكر بن الطيب ، واختاره الغزالي والرازي خلافا للمالكية من أهل بغداد ، وأبي حنيفة ومتبعيه. وهذه مسألة يبحث فيها في أصول الفقه ، وهذ الخلاف إنما هو حيث لا تدل قرينة على فور أو تأخير. وأما هنا فالعطف بالفاء يدل على تعقيب القول بالفعل من غير مهلة ، فتكون الملائكة قد
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٣٥.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٣٦.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٩.
(٤) سورة الإسراء : ١٧ / ١٠٤.
(٥) سورة النساء : ٤ / ١٥٠.
(٦) سورة النساء : ٤ / ١٥٤.
(٧) سورة يوسف : ١٢ / ٣١.