والفعل منه : أبى يأبى ، ولما جاء مضارعه على يفعل بفتح العين وليس بقياس أحرى ، كأنه مضارع فعل بكسر العين ، فقالوا فيه : يئبى بكسر حرف المضارعة ، وقد سمع فيه أبي بكسر العين فيكون يأبى على هذه اللغة قياسا ، ووافق من قال أبى بفتح العين على هذه اللغة. وقد زعم أبو القاسم السعدي أن أبي يأتي بفتح العين لا خلاف فيه ، وليس بصحيح ، فقد حكى أبي بكسر العين صاحب المحكم. وقد جاء يفعل في أربعة عشر فعلا وماضيها فعل ، وليست عينه ولا لامه حرف حلق. وفي بعضها سمع أيضا فعل بكسر العين ، وفي بعض مضارعها سمع أيضا يفعل ويفعل بكسر العين وضمها ، ذكرها التصريفيون. الاستكبار والتكبر : وهو مما جاء فيه استفعل بمعنى تفعل ، وهو أحد المعاني الإثني عشر التي جاءت لها استفعل ، وهي مذكورة في شرح نستعين.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) لم يؤثر فيها سبب نزول سمعي ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أن الله تعالى لما شرف آدم بفضيلة العلم وجعله معلما للملائكة وهم مستفيدون منه مع قولهم السابق : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ). أراد الله أن يكرم هذا الذي استخلفه بأن يسجد له ملائكته ، ليظهر بذلك مزية العلم على مزية العبادة. قال الطبري : قصة إبليس تقريع لمن أشبهه من بني آدم ، وهم اليهود الذين كفروا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، مع علمهم بنبوته ، ومع قدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم. وإذ : ظرف كما سبق فقيل بزيادتها. وقيل : العامل فيها فعل مضمر يشيرون إلى ادكر. وقيل : هي معطوفة على ما قبلها ، يعني قوله : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) ، ويضعف الأول بأن الأسماء لا تزاد ، والثاني أنها لازم ظرفيتها ، والثالث لاختلاف الزمانين فيستحيل وقوع العامل الذي اخترناه في إذ الأولى في إذ هذه. وقيل : العامل فيها أبى ، ويحتمل عندي أن يكون العامل في إذ محذوف دل عليه قوله : (فَسَجَدُوا) ، تقديره : انقادوا وأطاعوا ، لأن السجود كان ناشئا عن الانقياد للأمر. وفي قوله : (قُلْنا) التفات ، وهو من أنواع البديع ، إذ كان ما قبل هذه الآية قد أخبر عن الله بصورة الغائب ، ثم انتقل إلى ضمير المتكلم ، وأتى بنا التي تدل على التعظيم وعلوّ القدر وتنزيله منزلة الجمع ، لتعدد صفاته الحميدة ومواهبه الجزيلة.
وحكمة هذا الالتفات وكونه بنون المعظم نفسه أنه صدر منه الأمر للملائكة بالسجود ، ووجب عليهم الامتثال ، فناسب أن يكون الأمر في غاية من التعظيم ، لأنه متى كان كذلك كان أدعى لامتثال المأمور فعل ما أمر به من غير بطء ولا تأول لشغل خاطره بورود ما صدر