مضى ، وليس المعنى أنهم كتموا عن الله لأن الملائكة أعرف بالله وأعلم ، فلا يكتمون الله شيئا ، وإنما المعنى أنه هجس في أنفسهم شيء لم يظهره بعضهم لبعض ، ولا أطلعه عليه ، وإن كان المعنى إبليس ، فقد تقدم أنه قال في نفسه : ما حكيناه قبل عنه ، فكتم ذلك عن الملائكة. وقد تضمن آخر هذه الآية من علم البديع الطباق وهو قوله : (ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) قوله :
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤))
السجود : التذلل والخضوع ، وقال ابن السكيت : هو الميل ، وقال بعضهم : سجد وضع جبهته بالأرض ، وأسجد : ميل رأسه وانحنى ، وقال الشاعر :
ترى ألا كم فيها سجدا للحوافر
يريد أن الحوافر تطأ الأكم ، فجعل تأثر الأكم للحوافر سجودا مجازا ، وقال آخر :
كما سجدت نصرانة لم تحنف
وقال آخر :
سجود النصارى لأحبارها
يريد الانحناء.
إبليس : اسم أعجميّ منع الصرف للعجمة والعلمية ، قال الزجاج : ووزنه فعليل ، وأبعد أبو عبيدة وغيره في زعمه أنه مشتق من الإبلاس ، وهو الإبعاد من الخير ، ووزنه على هذا ، أفعيل ، لأنه قد تقرر في علم التصريف أن الاشتقاق العربي لا يدخل في الأسماء الأعجمية ، واعتذر من قال بالاشتقاق فيه عن منع الصرف بأنه لا نظير له في الأسماء ، وردّنا : غريض ، وإزميل ، وإخريط ، وإجفيل ، وإعليط ، وإصليت ، وإحليل ، وإكليل ، وإحريض. وقد قيل : شبه بالأسماء الأعجمية ، فامتنع الصرف للعلمية ، وشبه العجمة ، وشبه العجمة هو أنه وإن كان مشتقا من الإبلاس فإنه لم يسم به أحد من العرب ، فصار خاصا بمن أطلقه الله عليه ، فكأنه دليل في لسانهم ، وهو علم مرتجل. وقد روي اشتقاقه من الإبلاس عن ابن عباس والسدي ، وما إخاله يصح. الإباء : الامتناع ، قال الشاعر :
وأما أن تقولوا قد أبينا |
|
فشرّ مواطن الحسب الإباء |