إليه. وأجاز بعضهم أن يكون فاعلا ، لأن المعنى تنزهت. وقد ذكرنا ، حين تكملنا على المفردات ، أنه منصوب على معنى المصدر بفعل من معناه واجب الحذف. وزعم الكسائي أنه منادى مضاف ، ويبطله أنه لا يحفظ دخول حرف النداء عليه ، ولو كان منادى لجاز دخول حرف النداء عليه ، ونقل لنا. ولما سأل تعالى الملائكة ، ولم يكن عندهم علم بالجواب ، وكانوا قد سبق منهم قولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) الآية ، أرادوا أن يجيبوا بعدم العلم إلا ما علمهم ، فقدموا بين يدي الجواب تنزيه الله اعتذارا وأدبا منهم في الجواب ، وإشعارا بأن ما صدر منهم قبل يمحوه هذا التنزيه لله تعالى ، فقالوا : سبحانك ، ثم أجابوا بنفي العلم بلفظ لا التي بنيت معها النكرة ، فاستغرق كل فرد من أنواع العلوم ، ثم استثنوا من ذلك ما علمهم هو تعالى ، فقالوا : (إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) ، وهذا غاية في ترك الدعوى والاستسلام التام للمعلم الأول الله تعالى.
قال أبو عثمان المغربي : ما بلاء الخلق إلا الدعاوى. ألا ترى أن الملائكة لما قالوا : ونحن نسبح بحمدك ، كيف ردوا إلى الجهل حتى قالوا : لا علم لنا؟ وروي معنى هذا الكلام عن جعفر الصادق ، وخبر : لا علم ، في الجار والمجرور. وتقدم لنا الكلام في لا ريب فيه ، ولا علم مثله ، فأغنى عن إعادته. وما موصولة يحتمل أن تكون في موضع نصب على الاستثناء ، والأولى أن تكون في موضع رفع على البدل. وحكى ابن عطية عن الزهراوي : أن موضع ما من قولهم : ما علمتنا ، نصب بعلمتنا ، وهذا غير معقول. ألا ترى أن ما موصولة ، وأن الصلة : علمتنا ، وأن الصلة لا تعمل في الموصول ولكن يتكلف له وجه وهو أن يكون استثناء منقطعا فيكون معنى إلا : لكن ، على التقدير الذي استقر في الاستثناء المنقطع ، وتكون ما شرطية منصوبة بعلمتنا ، ويكون الجواب محذوفا كأنهم نفوا أولا سائر العلوم ثم استدركوا أنه في المستقبل ، أي شيء علمهم علموه ، ويكون هذا أبلغ في ترك الدعوى ، إذ محوا أنفسهم من سائر العلوم ونفوا جميعها ، فلم يستثنوا لهم شيئا سابقا ماضيا تحلوا به ، بل صاروا إلى الجهل الصرف والتبري من كل علم. وهذا الوجه ينافي ما روي أنه كان أعلمهم تعالى ، أو علموا باطلاع من اللوح بأنه سيكون في الأرض من يفسد ويسفك ، فإذا صح هذا كانوا قد بالغوا في نفي كل علم عنهم ، وجعلوا هذا العلم الخاص كالمعدوم ، ومن اعتقد أن الملائكة غير معصومين جعل قولهم ، لا علم لنا توبة ، ومن اعتقد بعصمتهم قال : قالوا ذلك على وجه الاعتراف بالعجز والتسليم بأنهم لا يعلمون إلا ما علموا ، أو قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها) الآية ، لأنه أعلمهم بذلك ، وأما الأسماء فكيف