المبرد يخالف مشهور ما حكان الناس ، فيحتمل. وكذلك وهم ابن عطية وغيره ، فزعما أنّ مذهب سيبويه تقديم الجواب على الشرط ، وأن قوله : أنبئوني المتقدم هو الجواب. والصدق هنا هو الصواب ، أي إن كنتم مصيبين ، كما يطلق الكذب على الخطأ ، كذلك يطلق الصدق على الصواب. ومتعلق الصدق فيه أقوال : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١) ، إني لا أخلق خلقا ، لا كنتم أعلم منه ، لأنه هجس في أنفسهم أنهم أعلم من غيرهم ، أو فيما زعمتم أن خلفائي يفسدون في الأرض ، أو فيما وقع في نفوسكم أني لا أخلق خلقا إلا كنتم أفضل منه ، أو بأمور من أستخلفهم بعدكم ، أو إني إن استخلفتكم فيها سبحتموني وقدّستموني ، وإن استخلفت غيركم فيها عصاني ، أو في قولكم : إنه لا شيء مما يتعبد به الخلق إلا وأنتم تصلحون له وتقومون به ، قاله ابن مسعود وابن عباس ، أو في ذلك أنباء ، وجواب السؤال بالأسماء.
روي أن الملائكة حين خلق الله آدم قالت : يخلق ربنا ما شاء ، فلن يخلق خلقا أعلم منا ولا أكرم عليه. فأراد أن يريهم من علم آدم وكرامته خلاف ما ظنوا ، قالوا : ولقوله (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) لم يجز لهم الاجتهاد ، إذ لو لم يقيد بالصدق ، وهو الإصابة ، لجاز الاجتهاد ، كما جاز للذي قال له : كم لبثت؟ ولم يشرط عليه الإصابة فلم يصب ولم يعنف. وأبعد من ذهب إلى أن الصدق هنا ضد الكذب المتعارف لعصمة الملائكة ، كما أبعد من جعل إن بمعنى إذ ، فأخرجها عن الشرطية إلى الظرفية. وإذا التقت همزتان مكسورتان من كلمتين نحو : هؤلاء إن كنتم ، فورش وقنبل يبدلان الثانية ياء ممدودة ، إلا أن ورشا في : هؤلاء إن كنتم ، وعلى البغاء إن أردن ، يجعل الياء مكسورة ، وقالون والبزي يلينان الأولى ويحققان الثانية ، وعنهما في بالسوء إلا وجوه : أحدها : هذا الأصل الذي تقرر لهما. الثاني : إبدال الهمزة الأولى واوا مكسورة وإدغام الواو الساكنة قبلها فيها وتحقيق الثانية. الثالث : إبدال الهمزة الأولى ياء ، نحو : بالسوي. الرابع : إبدالها واوا من غير إدغام ، نحو : السوو. وقرأ أبو عمرو : بحذف الأولى ، وقرأ الكوفيون وابن عامر : بتحقيق الهمزتين.
(قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا) : أي تنزيهك عن الادعاء وعن الاعتراض. وقيل : معناه تنزيه لك بعد تنزيه لفظه لفظ تثنية ، والمعنى كذلك كما قالوا في لبيك ، ومعناه : تلبية بعد تلبية. وهذا قول غريب يلزم عنه أن مفرده يكون سبحا ، وأنه لا يكون منصوبا بل مرفوعا ، وأنه لم تسقط النون للإضافة ، وأنه التزم فتحها. والكاف في سبحانك مفعول به أضيف
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٣.