عبد الملك واستخلف هشام قال عمر بن هبيرة يولّي هشام العراق أحد الرجلين : سعيد الحرشي أو خالد بن عبد الله القسري ، فإن ولّى ابن النصرانية خالدا فهو البلاء ، فولّى هشام خالدا العراق ، فدخل واسطا وقد أوذن عمر بن هبيرة بالصلاة ، فهو يتهيأ قد اعتمّ والمرآة في يده يسوي عمّته إذ قيل له : هذا خالد قد دخل ، فقال عمر بن هبيرة هكذا تقوم الساعة ، تأتي بغتة ، فقدم خالد فأخذ عمر بن هبيرة فقيّده وألبسه مدرعة صوف ، فقال عمر : بئس ما سننت على أهل العراق ، أما تخاف أن تؤخذ بمثل هذا.؟
قال : ونا سليمان ، نا قران بن تمام الأسدي ، عن أبي بكر بن عيّاش قال :
لما صنع به خالد ما صنع ذهب يتقلب وهو في الحديد ، فتكشف فكأنما ثمّ صرفه فقال : لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين فقال من حضره : سيفرج عنه سريعا.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، وأبو منصور بن العطار ، قالا : أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا عبيد الله بن عبد الرّحمن السّكري ، أنا زكريا بن يحيى المنقري ، نا الأصمعي ، نا خالد بن عبد الرّحمن بن جبلة ، عن أبيه قال :
كنت مع عمر بن هبيرة في حبس خالد بن عبد الله القسري ، وكان عمر بن هبيرة قد ضربني قبل ذلك ، فقال لي : يا جبلة إنّ الحفيظة تذهب الحقد ، وقد أمرت مواليّ يحفرون (١) ، وهم منتهون إليّ الليلة ، فهل لك في الخروج؟ فقلت : لا ، قال : فأشر عليّ ، فقلت : لا تخرجنّ في دار قوم ، فقال : نعم.
وكان قد أمر مواليه فاستأجروا دارا إلى جنب السجن ، واتّخذوا فيها ألف نعجة ، فكانوا يحفرون بالليل ثم يفرشونه في الدار فتصبح الشاء قد وطأته بأبوالها ، فأفضوا بنقبهم إلى جبلة ، فقال لهم : لست بصاحبكم فأتوا عمر بن هبيرة فقام حتى دخل النّقب وخرج منه.
وكان جبلة أشار عليه أن يقدّم بين يديه رسولا بكتابه إلى هشام بن عبد الملك.
قال الأصمعي : فحدّثني يونس بن حبيب النحوي قال : قال لي أبو الفوارس الأعرج الباهلي : وجّهني عمر بن هبيرة بكتابه إلى هشام ، فقدمت غدوة ، وقدم ابن هبيرة عشية ، فمرّ ابن هبيرة في طريقه فسمع امرأة من قيس تقول : لا والذي ينجّي ابن هبيرة ، فقال : يا غلام أعطها ما معك ، وأعلمها أنّي قد نجوت.
__________________
(١) رسمها وإعجامها مضطربان بالأصل ، والمثبت عن «ز» ، وم.