أتى رجل من الأنصار عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي بفارس فتعرض له ، فلم يصب منه طائلا فانصرف وهو يقول :
رأيت أبا حفص تجهّم مقدمي |
|
فلطّ بقول عذرة أو مواربا |
فلا تحسبن (١) أني تجشمت مقدمي |
|
أرى ذاك عارا وأرى الخير ذاهبا |
ومثلي إذا ما بلدة لم تواته |
|
تنكب عنها واستدام العواقبا |
قال : فبلغت الأبيات عمر بن عبيد الله فقال : عليّ بالرجل ، فجاءوا به ، فقال : يا عبد الله ما أخرج هذا منك؟ بيني وبينك قرابة؟ قال : لا ، قال : فلك عندي يد أسديتها إلي؟ قال : لا ، قال : فما دعاك إلى هذا؟ قال : أفضل الأشياء ، كنت أدخل مسجد المدينة أحفل ما يكون فأتجاوز من الحلق إلى حلقتك فأجلس فيها وأؤثرك ، قال : في أقل من هذا والله ما يحفظ لك ، كم (٢) أقمت؟ قال : أربعين ليلة ، فأمر له بأربعين ألفا وجهّزه إلى أهله.
أخبرنا أبو العزّ السلمي ـ قراءة ـ أنا أبو يعلى بن الفراء ، أنا أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل ، نا أبو علي الحسن بن القاسم بن جعفر الكوكبي ، نا محمّد بن زكريا بن دينار الغلّابي ، نا ابن عائشة ، عن أبيه قال (٣) :
كان لرجل (٤) من قيس عيلان جارية (٥) ، وكان بها معجبا ولها مكرما فأصابته حاجة وجهد فقالت له : لو بعتني فإن نلت طائلا عدت به عليك ، فعرض الرجل لعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي القرشي ليبيعها إياه فأعجبته فأخذها بمائة ألف درهم ، فلمّا نهضت لتدخل أنشأت تقول :
هنيئا لك المال الذي قد أصبته |
|
ولم يبق في كفي إلّا تفكّري |
أقول لنفسي وهي في كرب عيشة : |
|
أقلّي فقد بان الحبيب أم أكثري |
إذا لم يكن للأمر عندك حيلة |
|
ولم تجدي بدّا من الصبر فاصبري |
فأجابها مولاها :
__________________
(١) الجليس الصالح :
فلا تحسبني إن تجهمت مقدمي
(٢) «كم» استدركت عن هامش الأصل وبعدها صح.
(٣) الخبر في المحبر ص ١٥١.
(٤) سماه في المحبر : أبا حزابة التميمي.
(٥) هي بسباسة ، كما في المحبر.