ويستبدل بهم في الثانية. وشكل البلد كنصف دائرة قطرها يتصل بجبل ، والسور يصعد من الجبل إلى قلعة ويستتم دائرة.
وفي رأس الجبل داخل السور قلعة تبين لبعدها من البلد صغيرة وهذا الجبل يستر عنها الشمس فلا تطلع عليها إلا في الساعة الثانية. وللسور المحيط بها دون الجبل خمسة أبواب ، وفي وسطها بيعة القسيان ، وكانت دار قسيان الملك الذي أحيا ولده بطرس رئيس الحواريين ، وهو هيكل طوله مائة خطوة وعرضه ثمانون ، وعليه كنيسة على أساطين ، ودائر الهيكل أروقة يجلس فيها القضاة للحكومة ومعلمو النحو واللغة. وعلى أحد أبواب هذه الكنيسة فنجان الساعات يعمل ليلا ونهارا دائما اثنتي عشرة ساعة ، وهو من عجائب الدنيا. وفي أعلاه خمس طبقات في الخامسة منها حمامات وبساتين ومقاصير حسنة ، وتخر منها المياه ، وهناك من الكنائس مالا يحد كثرة ، كلها معمولة بالفص المذهب والزجاج الملون والبلاط المجزع.
وفي البلد بيمارستان يراعي البطريق المرضى فيه بنفسه. وفي المدينة من الحمّامات مالا يوجد مثله في مدينة من اللذاذة والطيبة ، فإن وقودها من الآس. وماؤها سيح ، وفي ظاهر البلد نهر يعرف بالمقلوب يأخذ من الجنوب إلى الشمال. وخارج البلد دير سمعان وهو مثل نصف دار الخليفة ، يضاف فيها المجتازون ، ويقال إن دخله في السنة أربعمائة ألف دينار ، ومنه يصعد إلى جبل الكام (١) ، وفي هذا الجبل من الديارات والصوامع والبساتين والمياه المتفجرة والأنهار الجارية والزهاد والسياح وضرب النواقيس في الأسحار وألحان الصلوات ما يتصور معه الإنسان أنه في الجنة. وفي أنطاكية شيخ يعرف بأبي نصر ابن العطار قاضي القضاة فيها له يد في العلوم مليح الحديث والإفهام (٢).
وصفه لمدينة اللاذقية
وخرجت من أنطاكية إلى اللاذقية ، وهي مدينة يونانية ولها ميناء وملعب وميدان خيل مدور ، وبها بيت كان للأصنام وهو اليوم كنيسة ، وكان في أول الإسلام مسجدا. وهي
__________________
(١) اللكلام بالضم وتشديد الكاف ويروى بتخفيفها وهو في شعر المتنبي مخفف ا ه معجم.
(٢) ذكر صاحب معجم البلدان هذه الرسالة في كلامه على أنطاكية وفيها زيادات كثيرة على ما هنا ، وكذا أوسع المقال عليها في الدر المنتخب المنسوب لابن الشحنة فارجع إليهما إن شئت.