عمّارا يقول : عهد إليّ خليلي : أن آخر زادي من الدنيا ضيحة لبن ، قال : فبينا نحن كذلك إذ سطع الغبار وقالوا : جاء أهل الشام ، جاء أهل الشام ، وقامت (١) السقاة يسقون الناس ، فجاءته جارية معها قدح ، فناولته عمّارا فشرب ، ثم ناول عمّار فضلة الأحنف بن قيس ، ثم ناولني الأحنف ، فقلت : إن كان صاحبك صادقا فخليق (٢) أن يقتل الآن ، قال : فغشينا القوم ، فتقدم عمّار ، فسمعته يقول : الجنة تحت الأسنة ، اليوم ألقى الأحبة محمّدا وحزبه ، ثم كان آخر العهد.
أخبرنا أبو القاسم بن أحمد ، أنا أبو طاهر القصارى ، وأبو القاسم البندار ، وأبو محمّد ، وأبو الغنائم ابنا أبي عثمان ، وأبو الحسن بن الخطيب قالوا : أنا أبو عمر ، أنا أبو بكر ، نا جدي يعقوب ، نا خلف بن سالم ، نا وهب بن جرير قال : قال جويرية ، حدّثني أبي (٣) سعيد عن عمه قال :
لما كان اليوم الذي أصيب فيه عمّار كان الرجلان يضطربان بسيفهما حتى يفترا فيجلسا حتى يتروّحا فيعودا ، وربما قال : فانتصف النهار وقد ضرب الناس كلهم ، فليس أحد يتحرك ، فيختلطون هكذا ، وشبّك بين أصابعه ، حتى إذا زالت الشمس إذا رجل قد برز بين الصّفين ، جسيم ، على فرس جسيم ، ضخم ، على ضخم ينادي : يا عباد الله ـ بصوت موجع (٤) ـ يا عباد الله ، روحوا إلى الجنة ـ ثلاث مرات ـ الجنة تحت ظلال الأسل ، فثار الناس ، فإذا هو عمّار بن ياسر ، فلم يلبث أن قتل ـ رحمهالله ـ.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر ، أنا أحمد بن معروف ، أنا الحسن ، نا محمّد بن سعد (٥) ، أنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبد الله بن أبي عبيدة ، عن أبيه عن لؤلؤة مولاة أم الحكم بنت عمّار بن ياسر قالت :
لما كان اليوم الذي قتل فيه عمّار ، والراية يحملها هاشم بن عتبة ، وقد قتل أصحاب علي ذلك اليوم حتى كانت العصر ، ثم تقرّب عمّار من وراء هاشم يقدّمه وقد
__________________
(١) كذا بالأصل.
(٢) غير واضحة بالأصل ، والمثبت عن المختصر.
(٣) كذا بالأصل ، وفي مختصر ابن منظور : «ابن سعيد» وفي سير أعلام النبلاء يحيى بن سعيد.
(٤) تقرأ بالأصل : «فرجع كذا» ، والمثبت عن سير أعلام النبلاء.
(٥) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ / ٢٥٨.