كتب به بعضهم إلى الأمير بيدرا النائب :
أسلم الكافرون بالسيف قهرا |
|
وإذا ما خلوا فهم مجرمونا |
سلموا من رواح مال وروح |
|
فهم سالمون لا مسلمونا |
وفي أخريات شهر رجب سنة سبعماءة قدم وزير متملك المغرب إلى القاهرة حاجا ، وصار يركب إلى الموكب السلطانيّ وبيوت الأمراء ، فبينما هو ذات يوم بسوق الخيل تحت القلعة ، إذا هو برجل راكب على فرس وعليه عمامة بيضاء وفرجية مصقولة ، وجماعة يمشون في ركابه وهم يسألونه ويتضرّعون إليه ويقبلون رجليه ، وهو معرض عنهم وينهرهم ويصيح بغلمانه أن يطردوهم عنه. فقال له بعضهم يا مولاي الشيخ بحياة ولدك النشو تنظر في حالنا ، فلم يزده ذلك إلّا عتوّا وتحامقا ، فرقّ المغربيّ لهم وهمّ بمخاطبته في أمرهم ، فقيل له وأنه مع ذلك نصرانيّ ، فغضب لذلك وكاد أن يبطش به ، ثم كف عنه وطلع إلى القلعة وجلس مع الأمير سلار نائب السلطان ، والأمير بيبرس الجاشنكير ، وأخذ يحادثهم بما رآه وهو يبكي رحمة للمسلمين بما نالهم من قسوة النصارى ، ثم وعظ الأمراء وحذرهم نقمة الله ، وتسليط عدوّهم عليهم من تمكين النصارى من ركوب الخيل ، وتسلطهم على المسلمين وإذلالهم إياهم ، وأن الواجب إلزامهم الصغار ، وحملهم على العهد الذي كتبه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، فمالوا إلى قوله وطلبوا بطرك النصارى وكبراءهم وديان اليهود ، فجمعت نصارى كنيسة المعلقة ونصارى دير البغل ونحوهم ، وحضر كبراء اليهود والنصارى ، وقد حضر القضاة الأربعة وناظروا النصارى واليهود ، فأذعنوا إلى التزام العهد العمريّ ، وألزم بطرك النصارى طائفته النصارى بلبس العمائم الزرق وشدّ الزنار في أوساطهم ، ومنعهم من ركوب الخيل والبغال ، والتزام الصغار ، وحرّم عليهم مخالفة ذلك أو شيء منه ، وأنه بريء من النصرانية إن خالف. ثم اتبعه ديان اليهود بأن أوقع الكلمة على من خالف من اليهود ما شرط عليه ، من لبس العمائم الصفر والتزام العهد العمريّ ، وكتب بذلك عدّة نسخ سيرت إلى الأعمال ، فقام المغربيّ في هدم الكنائس ، فلم يمكنه قاضي القضاة تقي الدين محمد بن دقيق العيد من ذلك ، وكتب خطه بأنه لا يجوز أن يهدم من الكنائس إلّا ما استجدّ بناؤه ، فغلقت عدّة كنائس بالقاهرة ومصر مدّة أيام ، فسعى بعض أعيان النصارى في فتح كنيسة حتى فتحها ، فثارت العامة ووقفوا للنائب والأمراء واستغاثوا بأن النصارى قد فتحوا الكنائس بغير إذن ، وفيهم جماعة تكبروا عن لبس العمائم الزرق ، واحتمى كثير منهم بالأمراء ، فنودي في القاهرة ومصر أن يلبس النصارى بأجمعهم العمائم الزرق ، ويلبس اليهود بأسرهم العمائم الصفر ، ومن لم يفعل ذلك نهب ماله وحلّ دمه ، ومنعوا جميعا من الخدمة في ديوان السلطان ودواوين الأمراء حتى يسلموا ، فتسلطت الغوغاء عليهم وتتبعوهم ، فمن رأوه بغير الزيّ الذي رسم به ضربوه بالنعال وصفعوا عنقه حتى يكاد يهلك ، ومن مرّ بهم وقد ركب ولا يثني رجله ألقوه عن دابته وأوجعوه ضربا ،