ولما مات في رابع عشر رجب سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وله من العمر ما ينيف على سبعين سنة ، وترك موجودا عظيما إلى الغاية. قال : السلطان ، لعنه الله ، خمس عشرة سنة ما يدعني أعمل ما أريد ، وأوصي للسلطان بمبلغ أربعمائة ألف درهم نقرة ، فأخذ من تركته أكثر من ألف ألف درهم نقرة ، ومن حين مات الفخر كثر تسلط السلطان الملك الناصر ، وأخذه أموال الناس ، وإلى الفخر تنسب قنطرة الفخر التي على فم الخليج الناصريّ المجاور لميدان السلطان بموردة الجبس ، وقنطرة الفخر التي على الخليج المجاور للخليج الناصريّ ، وأدركت ولده فقيرا يتكفف الناس بعد مال لا يحدّ كثرة.
جامع نائب الكرك
هذا الجامع بظاهر الحسينية مما يلي الخليج ، كان عامرا وعمر ما حوله عمارة كبيرة ، ثم خرب بخراب ما حوله من عهد الحوادث في سنة ست وثمانمائة ، عمره الأمير جمال الدين أقوش المعروف بنائب الكرك ، وقد تقدّم ذكره عند ذكر الدور من هذا الكتاب.
جامع الخطيريّ ببولاق
هذا الجامع موضعه الآن بناحية بولاق خارج القاهرة ، كان موضعه قديما مغمورا بماء النيل إلى نحو سنة سبعمائة ، فلما انحسر ماء النيل عن ساحل المقس صار ما قدّام المقس رمالا لا يعلوها ماء النيل إلّا أيام الزيادة ، ثم صارت بحيث لا يعلوها الماء البتة ، فزرع موضع هذا الجامع بعد سنة سبعمائة ، وصار منتزها يجتمع عنده الناس ، ثم بنى هناك شرف الدين بن زنبور ساقية وعمر بجوارها رجل يعرف بالحاج محمد بن عز الفرّاش دارا تشرف على النيل ، وتردّد إليها ، فلما مات أخذها شخص يقال له تاج الدين بن الأزرق ناظر الجهات وسكنها ، فعرفت بدار الفاسقين لكثرة ما يجري فيها من أنواع المحرّمات ، فاتفق أن النشو ناظر الخاص قبض على ابن الأزرق وصادره ، فباع هذه الدار في جملة ما باعه من موجوده ، فاشتراها منه الأمير عز الدين أيدمر الخطيريّ وهدمها وبنى مكانها هذا الجامع وسماه جامع التوبة ، وبالغ في عمارته وتأنق في رخامه ، فجاء من أجلّ جوامع مصر وأحسنها ، وعمل له منبرا من رخام في غاية الحسن ، وركب فيه عدّة شبابيك من حديد تشرف على النيل الأعظم ، وجعل فيه خزانة كتب جليلة نفيسة ، ورتب فيه درسا للفقهاء الشافعية ، ووقف عليه عدّة أوقاف منها : دار العظيمة التي هي في الدرب الأصفر تجاه خانقاه بيبرس ، وكان جملة ما أنفق في هذا الجامع أربعمائة ألف درهم نقرة ، وكملت عمارته في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ، وأقيمت به الجمعة في يوم الجمعة عشري جمادى الآخر ، فلما خلص ابن الأزرق من المصادرة ، حضر إلى الأمير الخطيريّ وادّعى أنه باع داره وهو مكره ، فدفع إليه ثمنها مرّة ثانية ، ثم إن البحر قوي على هذا الجامع وهدمه ، فأعاد بناءه بجملة كثيرة من المال ، ورمى قدّام زريبته ألف مركب مملوءة بالحجارة ، ثم انهدم بعد موته وأعيدت زريبته.