الناس إلى ما بعد سنة ثمانين وسبعمائة ، ثم خربت وصار الرصد من الأماكن المخوفة بعد ما أدركته منتزها للعامّة.
مسجد النارنج
هذا المسجد عامر إلى يومنا هذا فيما بين الرصد والقرافة الكبرى ، بجانب سقاية ابن طولون المعروفة بعفصة الكبرى ، غربيها إلى البحريّ قليلا ، وهو المطلّ على بركة الحبش شرقيّ الكتفي وقبليّ القرافة. بنته الجهة الآمرية المعروفة بجبهة الدار الجديدة في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ، أخرجت له اثني عشر ألف دينار على يد الأستاذين افتخار الدولة يمن ، ومعز الدولة الطويل ، المعروف بالوحش. وتولى العمارة والإنفاق عليه الشريف أبو طالب موسى بن عبد الله بن هاشم بن مشرف بن جعفر بن المسلم بن عبيد الله بن جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد اليمانيّ بن عبيد الله بن موسى الكاظم الحسينيّ الموسويّ ، المعروف بابن أخي الطيب بن أبي طالب الورّاق ، وسمي مسجد النارنج لأنّ نارنجه لا ينقطع أبدا.
مسجد الأندلس
هذا المسجد في شرقيّ القرافة الصغرى بجانب مسجد الفتح ، في الموضع الذي يعرف عند الزوّار بالبقعة ، وهو مصلّى المغافر على الجنائز. ويقال أنه بني عند فتح مصر ، وقيل بني في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، ثم بنته جهة مكنون ، واسمها علم الآمرية أمّ ابنة الآمر التي يقال لها ست القصور ، في سنة ست وعشرين وخمسمائة ، على يد المعروف بالشيخ أبي تراب.
وجهة مكنون هذه : كان الخليفة الآمر بأحكام الله كتب صداقها وجعل المقدّم منه أربعة عشر ألف دينار ، وكان لها صدقات وبرّ وخير وفضل ، وعندها خوف من الله ، وكانت تبعث إلى الأشراف بصلات جزيلة ، وترسل إلى أرباب البيوت والمستورين أموالا كثيرة ، ولما وهب الآمر لهزار الملوك ولبرغش في كلّ يوم مائتي ألف دينار عينا ، لكل منهما مائة ألف دينار ، حضر ، إليها عشاء على عادته ، فأغلقت باب مقصورتها قبل دخوله وقالت له : والله ما تدخل إليّ أو تهب لي مثل ما وهبت لواحد من غلاميك. فقال : الساعة : ثم استدعى بالفرّاشين فحضروا فقال : هاتوا مائة ألف دينار الساعة ، ولم يزل واقفا إلى أن حضرت عشرة كيسة في كل كيس عشرة آلاف دينار ، ويحمل عشرة من الفرّاشين. ففتحت له الباب ودخل إليها. ومكنون هذا هو الأستاذ الذي كان برسم خدمتها ، ويقال له مكنون القاضي لسكونه وهدئه ، وكان فيه خبر وبرّ كبير ، وبجانب مسجد الأندلس هذا رباط من غريبه بنته جهة مكنون هذه في سنة ست وعشرين وخمسمائة ، برسم العجائز الأرامل. فلما كان في