«هيئة صلاة الجمعة في أيام الخلفاء الفاطميين» قال المسبحيّ : وفي يوم الجمعة غرّة رمضان سنة ثمانين وثلاثمائة ركب العزيز بالله إلى جامع القاهرة بالمظلة المذهبة وبين يديه نحو خمسة آلاف ماش ، وبيده القضيب ، وعليه الطيلسان والسيف. فخطب وصلّى صلاة الجمعة وانصرف ، فأخذ رقاع المتظلمين بيده وقرأ منها عدّة في الطريق ، وكان يوما عظيما ذكرته الشعراء. قال ابن الطوير : إذا انقضى ركوب أوّل شهر رمضان استراح في أوّل جمعة ، فإذا كانت الثانية ركب الخليفة إلى الجامع الأنور الكبير في هيئة المواسم بالمظلة وما تقدّم ذكره من الآلات ، ولباسه فيه ثياب الحرير البيض توقيرا للصلاة من الذهب ، والمنديل والطيلسان المقوّر الشعريّ ، فيدخل من باب الخطابة والوزير معه بعد أن يتقدّمه في أوائل النهار صاحب بيت المال ، وهو المقدّم ذكره في الأستاذين ، وبين يديه الفرش المختصة بالخليفة إذا صار إليه في هذا اليوم ، وهو محمول بأيدي الفرّاشين المميزين ، وهو ملفوف في العراضي الديبقية ، فيفرش في المحراب ثلاث طرّاحات أماسامان ، أو ديبقيّ أبيض ، أحسن ما يكون من صنفهما ، كلّ منهما منقوش بالحمرة. فتجعل الطرّاحات متطابقات ، ويعلّق ستران يمنة ويسرة ، وفي الستر الأيمن كتابة مرقومة بالحرير الأحمر واضحة ، منقوطة أوّلها البسملة والفاتحة وسورة الجمعة ، وفي الستر الأيسر مثل ذلك ، وسورة (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) قد أسبلا وفرشا في التعليق بجانبي المحراب لاصقين بجسمه ، ثم يصعد قاضي القضاة المنبر وفي يده مدخنة لطيفة خيزران يحضرها إليه صاحب بيت المال فيها جمرات ، ويجعل فيها ندّ مثلث لا يشمّ مثله إلّا هناك ، فيجز الذروة التي عليها الغشاء كالقبة لجلوس الخليفة للخطابة ، ويكرّر ذلك ثلاث دفعات ، فيأتي الخليفة في هيئة موقرة من الطبل والبوق ، وحوالي ركابه خارج أصحاب الركاب القرّاء ، وهم قرّاء الحضرة من الجانبين يطرّبون بالقراءة نوبة بعد نوبة ، يستفتحون بذلك من ركوبه من الكرسيّ على ما تقدّم طول طريقه إلى قاعة الخطابة من الجامع ، ثم تحفظ المقصورة من خارجها بترتيب أصحاب الباب واسفهسلار العساكر ، ومن داخلها إلى آخرها صبيان الخاص وغيرهم ممن يجري مجراهم ، ومن داخلها من باب خروجه إلى المنبر واحد فواحد ، فيجلس في القاعة ، وإن احتاج إلى تجديد وضوء فعل ، والوزير في مكان آخر ، فإذا أذّن بالجمعة دخل إليه قاضي القضاة فقال له : السلام على أمير المؤمنين الشريف القاضي ورحمة الله وبركاته ، الصلاة يرحمك الله. فيخرج ماشيا وحواليه الأستاذون المحنكون ، والوزير وراءه ، ومن يليهم من الخواص وبأيديهم الأسلحة من صبيان الخاص ، وهم أمراء وعليهم هذا الاسم ، فيصعد المنبر إلى أن يصل إلى الذروة تحت تلك القبة المبخرة ، فإذا استوى جالسا والوزير على باب المنبر ووجهه إليه ، فيشير إليه بالصعود فيصعد إلى أن يصل إليه ، فيقبل يديه ورجليه بحيث يراه الناس ، ثم يزرر عليه تلك القبة لأنها كالهودج ، ثم ينزل مستقبلا ، فيقف ضابطا لباب المنبر ، فإن لم يكن ثمّ وزير صاحب سيف ، زرّر عليه قاضي القضاة كذلك ،