الولاة وأرباب الأعمال بأن الوزير فتح باب الأخذ على الولايات ، فهرع الناس إليه من جهات مصر والشام وحلب وقصدوا بابه ، ورتب عنده جماعة برسم قضاء الأشغال ، فأتاهم أصحاب الأشغال والحوائج ، وكان السلطان صغيرا حظه من السلطنة أن يجلس بالإيوان يومين في الأسبوع ويجتمع أهل الحل والعقد مع سائر الأمراء فيه ، فإذا انقضت خدمة الإيوان خرج الأمير منكليبغا الفخريّ ، والأمير بيغرا ، والأمير يبلغا تتر والمجديّ ، وأرلان وغيرهم من الأمراء ، ويدخل إلى القصر الأمير يلبغاروس نائب السلطنة ، والأمير سيف الدين منجك الوزير ، والأمير سيف الدين شيخو العمريّ ، والأمير الجيبغا المظفريّ ، والأمير طيبرق ، ويتفق الحال بينهم على ما يرونه ، هذا والوزير أخو النائب متمكن تمكنا زائدا ، وقدم من دمشق جماعة للسعي عند الوزير في وظائف منهم ابن السلعوس وصلاح الدين بن المؤيد وابن الأجل وابن عبد الحق ، وتحدّثوا مع ابن الأطروش محتسب القاهرة في أغراضهم ، فسعى لهم حتى تقرّروا فيما عينوا.
ولما دخلت سنة تسع وأربعين عرف الوزير السلطان والأمراء أنه لما ولي الوزارة لم يجد في الإهراء ولا في بيت المال شيئا ، وسأل أن يكون هذا بمحضر من الحكام ، فرسم للقضاة بكشف ذلك فركبوا إلى الإهراء بمصر ، وإلى بيت المال بقلعة الجبل ، وقد حضر الدواوين وسائر المباشرين وأشهدوا عليهم أن الأمير منجك لما باشر الوزارة لم يكن بالإهراء ولا ببيت المال قدح غلة ولا دينار ولا درهم ، وقرئت المحاضر على السلطان والأمراء ، فلما كان بعد ذلك توقف أمر الدولة على الوزير فشكا إلى الأمراء من كثرة الرواتب ، فاتفق الرأي على قطع نحو ستين سوّاقا ، فقطعهم ووفر لحومهم وعليقهم وسائر ما باسمهم من الكساوي وغيرها ، وقطع من العرب الركابة والنجابة ، ومن أرباب الوظائف في بيت السلطان ، ومن الكتاب والمباشرين ما جملته في اليوم أحد عشر ألف درهم وفتح باب المقايضات باقطاعات الأجناد ، وباب النزول عن الإقطاعات بالمال ، فحصل من ذلك مالا كثيرا ، وحكم على أخيه نائب السلطنة بسبب ذلك ، وصار الجنديّ يبيع إقطاعه لكل من أراد ، سواء كان المنزول له جنيدا أو عامّيا ، وبلغ ثمن الإقطاع من عشرين ألف درهم إلى ما دونها. وأخذ يسعى أن تضاف وظيفة نظر الخاص إلى الوزارة ، وأكثر من الحط على ناظر الخاص ، فاحترس ابن زنبور منه وشرع في إبعاده مرّة بعد مرّة مع الأمير شيخو ، فمنع شيخو منجك من التحدّث في الخاص وخرج عليه فشق ذلك على منجك وافترقا عن غير رضى ، فتغير يلبغاروس النائب على شيخو رعاية لأخيه. وسأل أن يعفى من النيابة ، ويعفى منجك من الوزارة ، واستقراره في الأستادارية والتحدّث في عمل حفر البحر ، وأن يستقرّ أستدمر العمريّ المعروف برسلان بصل في الوزارة ، فطلب وكان قد حضر من الكشف وألبس خلع الوزارة في يوم الاثنين الرابع والعشرين من شهر ربيع الأوّل ، وكان منجك قد عزل من الوزارة في ثالث ربيع الأوّل المذكور ، وتولى أمر شدّ البحر ، فجبى من الأجناد من كل مائة