مصر في جميع الشام ، قام بذلك المصامدة والسودان. وكان أتسز وأصحابه تركوا أموالهم بالقدس ، فوثب القاضي والشهود ومن بالقدس على أموالهم ونسائهم فنهبوها واستعبدوا الأحرار ، فخرج من دمشق فيمن انضوى إليه ، ودخل القدس فقتل ثلاثة آلاف إنسان ، واحتمى قوم بالصخرة والجامع فقرر عليهم الأموال لأنه لم يقتلهم وأخذ مالا كثيرا ، وسار الى الرملة فلم ير فيها من أهلها أحدا ، فجاء الى غزة وقتل كل من فيها فلم يدع بها عينا تطرف ، وجاء الى العريش فأقام فيه وبعث سرية فنهبت الريف وعادت ، ثم مضى الى يافا فحصرها وهدم سورها ، ثم عاد الى دمشق ولم يبق من أهلها عشر العشر من الجوع والفاقة ، بل لم يبق من أهلها سوى ثلاثة آلاف إنسان بعد خمسمائة ألف أفناهم الوباء والغلاء والجلاء. وكان بها مائتان وأربعون خبازا فصار بها خبازان والأسواق خالية ، والدار التي كانت تساوي ثلاثة آلاف دينار ينادى عليها بعشرة دنانير فلا يشتريها أحد ، والدّكان الذي كان يساوي ألف دينار ما يشترى بدينار ، وأكلت الكلاب والسنانير والفيران ، وكان الناس يقفون في الأزقة الضيقة فيأخذون المجتازين فيذبحونهم ويشوونهم.
وعاد الفاطميون يحاولون فتح دمشق وعليهم ناصر الدولة الجيوشي فحاصروها مدة (٤٧١) وترحلوا ، ثم حاصروها مرة ثانية واستولوا على أعمالها وأعمال فلسطين ، فاضطر صاحبها أتسز الى الاستنصار بتاج الدولة ، فلما عرف ناصر الدولة الخبر رحل عن دمشق وقصد الساحل. وكان ثغرا صور وطرابلس في أيدي قاضييهما قد تغلبا عليهما ، ولا طاعة عندهما لأمير الجيوش الفاطمي ، ويصانعان الأتراك بالهدايا والألطاف. ووصل تاج الدولة الى عذراء في عسكره لإنجاد دمشق فخرج أتسز إليه وخدمه ثم قبض عليه وقتله وملك تاج الدولة دمشق ، واستقام له الأمر وأحسن السيرة في أهلها بالضد من فعل أتسز وملك أعمال فلسطين ، ثم قصد حلب وملك حصن بزاعة (٤٧٠) وقتل جميع من فيه ، وملك البيرة وأحرق ربض عزاز وغيرها من الحصون مع ما غلب عليه من القلاع المجاورة.