لا تسكن من حدود شبه جزيرة العرب آخذة في الغرب الى جبال الشام والشواطىء الواقعة من الجهة الشرقية الى البادية من الفرات الأسفل المخصبة. هذه الصحراء لم تبرح موطن أبناء إسماعيل العرب ، ينصبون فيها خيامهم ويرعون أنعامهم ويطاردون على خيولهم المطهمة القبائل المعادية لهم أو يغزون التجار الآتين مع القوافل. ولما كان الملك تيغران قد أخذ بأيدي أبناء البادية لحاجته اليهم في التجارة اهتبلوا الغرة في هذا الاضطراب الذي جعل أمور الشام فوضى ليتوسعوا في الشمال ، وكان للقبائل القريبة من الشام ممن كانوا على شيء من الحضارة القدح المعلّى في هذا الشأن.
وكان زعماء قبائل البادية أشبه بعصابات منفردة يساوون أبناء البادية ويفوقونهم في قطع الطرق والإضرار بالسابلة. وهكذا شأن بطلميوس بن مينوس ، وربما كان أقوى هؤلاء اللصوص وأغنى أهل عصره. وكان يحكم إقليم الإيطوريين ، أي الجبليين ، وهي كور الدروز اليوم في أودية جبل لبنان ، وحكمه نافذ من الشطوط الى بعلبك ، وهكذا حال ديونيزوس وكنيراس صاحبي مدينتي طرابلس وجبيل. ومثل ذلك كان شأن اليهودي سيلاس في قلعته على مقربة من أفامية على العاصي.
مملكة يهودا وانقراض اليهود :
حاول اليهود في جنوبي الشام توطيد سلطانهم السياسي ، فأنشأ المكابيون وهم يهود يحترمون عبادتهم ويقدسونها ، حتى توصلوا بذلك الى إنشاء مملكة وراثية ، جمعت الى الرئاسة الدينية الرئاسة الدنيوية ، ثم فتحوا كورا في الشمال والشرق والجنوب. ولما مات الشجاع جاني الكسندر سنة ٦٧٥ كانت مملكة يهودا ممتدة نحو الجنوب الى جميع أرض الفلسطينيين حتى التخوم المصرية ، ونحو الجنوب الشرقي الى مملكة النبطيين في البتراء ، والى الجنوب الى ما وراء السامرة والمدن العشر الى بحيرة طبرية. فكانت الشواطىء بأيدي اليهود من جبل الكرمل الى العريش وفي جملتها مملكة غزة. وكانت عسقلان مدينة حرة. وأصبحت مملكة اليهود مرافىء حرة للصوص البحار بعد أن كانت مفصولة عنها فيما غبر من الأيام.