السيرة مع الجند والرعية وظلمهم ، فكثر الدعاء عليه وثار به العسكر ، وأعانهم العامة فهرب منها ، فخربت دمشق وأعمالها وجلا عنها أهلها ، وهان عليهم مفارقة أملاكهم وسلوهم عن أوطانهم ، بما عانوه من ظلمه ، وخلت الأماكن من قاطنيها ، والغوطة من فلاحيها. ولما رحل المعلى عن دمشق اجتمعت المصامدة الفاطميون وولوا عليهم انتصار بن يحيى المصمودي وغلت بها الأسعار حتى أكل الناس بعضهم بعضا ، ووقع الخلاف بين المصامدة وأحداث البلد ، وعرف أتسز ذلك فعاد الى دمشق فحصرها ، فعدمت الأقوات وبيعت غرارة القمح إذا وجدت بأكثر من عشرين دينارا ، فسلموها إليه بالأمان وخطب بها للخليفة العباسي ، وكان آخر ما خطب فيها للعلويين المصريين. وتغلب على أكثر الشام ومنع الأذان بحي على خير العمل ، ففرح أهلها فرحا عظيما ، وظلم أهلها وأساء السيرة فيهم.
قال ابن عساكر : إن أتسز التركماني لما دخل دمشق وكان حاصرها دفعات ، أنزل جنوده دور الدمشقيين ، واعتقل من وجوههم جماعة ، وشمسهم بمرج راهط حتى افتدوا نفوسهم بمال أدوه له ، ورحل جماعة منهم عن البلد الى طرابلس الى أن أريحوا منه بعد. وقال ابن الأكفاني : نزل أتسز محاصرا لدمشق ثم انصرف عنها ، ثم عاد الى منازلتها ، ثم رحل عنها ، ثم رجع إليها فحاصرها ، ثم إنه فتح البلد صلحا ، ودخلها هو وعسكره سنة ٤٦٨ وسكن دار الإمارة وخطب بها للمقتدي العباسي ، وكتب إليه يذكر له تسليمها إليه ، وغلو الأسعار بها ، وموت أهلها ، وأن غرارة القمح بيعت بمائتي دينار مما لم يعهد مثله. وأن أتسز نظر في أمور دمشق بما يعود بصلاح أعمالها ، وأطلق لفلاحي المرج والغوطة الغلات للزراعات فصلحت الأحوال ورخصت الأسعار.
ولما فتح أتسز دمشق وأقام الخطبة العباسية طمعت نفسه في ملك مصر ، فسار (٤٦٩) من دمشق فيمن استطاع من الأحداث والجند ورجع خائبا بعد أن قتل من جنده جملة كثيرة جدا ، ثم أقام بدمشق وجاءه التركمان من الروم ولم يستخدم غيرهم ، وعصى عليه الشام وأعيدت خطبة صاحب