ودلّ العزيز بكفه عن قتل أفتكين على بعد نظره ، وأنه أثر فيه ما أسداه من الجميل لقائده جوهر في نوبة عسقلان بإطلاقه سراحه وسراح من معه ، فقابل العزيز أفتكين على جميله بمثله. خصوصا وأن أفتكين لم يقصر منذ استولى على دمشق بمجاملة خليفة مصر العلوي ، وإن كان من جهة ثانية نزع خطبته وأرجع الخطبة العباسية في كثير من مدن الشام ، وأكرم العزيز ملك القرامطة الذي ندبه الدمشقيون على لسان أفتكين أن يعاونهم على الخلاص من الدولة المصرية لظلم عمالها ومخالفتها لهم في المذهب ، وذلك ليستميل قلبه حتى لا يعود ثانية الى نصرة أحد من أهل بلاده عليه.
سوء حالة دمشق واضطراب الأحكام المصرية :
لما فارق أفتكين دمشق الى فلسطين قدّم على أهلها رجلا اسمه قسام الحارثي من الأبطال المعروفين ، وقيل : من أرباب الدعارة العيارين ، كان أصله من قرية تلفيتا في سنير ، يعتاش بتقل التراب على الحمير ، وتنقلت به الأحوال حتى صار له ثروة وأتباع ، وغلب على دمشق وما إليها من الأصقاع ، بحيث لم يبق معه لنوابها من الفاطميين أمر ولا نهي ، ودام ذلك سنين. وكان القائد أبو محمود بن إبراهيم المغربي قد عاد الى البلد واليا عليه للعزيز فلم يتم له مع قسام أمر ، وامتدت أيدي أصحاب أبي محمود بالعيث والفساد وقطع الطرق فاضطرب الناس وخافوا ، وانتزح أهل القرى منها لشدة نهب المغاربة أموالهم وظلمهم لهم ، ووقعت فتنة عظيمة بين عسكر أبي محمود وبين العامة ، فألقى عسكره النار من باب الفراديس فأحرقوا تلك الناحية ، وكانت فيها أجمل قصور دمشق ، وحرق كثير من أحياء البلد ، وهلك فيه جماعة وما لا يعد من الأثاث والأموال ، ثم صالحوا القائد أبا محمود ثم انتقضوا ولم يزالوا كذلك الى سنة ٣٦٤.
ولما خاف الفاطميون عاقبة قسام الحارثي ؛ إذا استلذ طعم الانتصار غير مرة ، سيروا لحربه الأمير الأفضل فحاصر دمشق وضاق بأهلها الحال ، فخرج قسام متنكرا فأخذته الحرس فقال : أنا رسول. فأحضروه الى