أهلها وراسلهم صاحب شيزر على الصلح وعصت طرابلس عليهم لما بدا من شمم صاحبها ابن عمار واستنجاده بالملوك ، فصالحه صاحب أنطاكية وهاداه على أن يكون للفرنج ظاهر طرابلس ولا يقطع الميرة والمسافرين عنها ، وبهذا تيسر للفرنج أن يحفظوا خط رجعتهم في طريقهم برا الى القدس. وخرجوا على طريق النواقير الى عكا فلم يقدروا عليها.
فتح الصليبيين القدس والساحل :
وبعد فتح الفرنج العرة وغدرهم بأهلها ومن احتمى فيها ، وقطعهم على أهل البلد القطائع التي لم يفوا بشيء مما قرروه فيها ، ومطالبتهم للناس بما لا طاقة لهم به ، رحلوا الى بيت المقدس على طريق الساحل فأجفل الناس ، وكانت حلب على قيد غلوة من خطر استيلاء الفرنج ، ولكنهم أعلنوا يوم وصولهم أنهم لا يقصدون إلا الاستيلاء على ما كان للروم من المدن ، ليصرفوا فكر حكام الشام عن نجدة أهل أنطاكية ، ولكن أمراء الأقاليم لم يصغوا لهذه الدعوة ، ونزل الفرنج بعد أن اجتازوا معظم الثغور على الرملة فملكوها ، وانتقلوا الى بيت المقدس فضيقوا عليه ، فجاءهم الأفضل في العسكر الدثر من مصر للإيقاع بهم وإنجاد البلد ، فشدوا في قتاله ولازموا حربه ، فانهزم الناس وملك الفرنج البلد «ولبث الفرنج يقتلون في المسلمين بالقدس أسبوعا ، وقتل من المسلمين في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألف نفس ، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن جاور في ذلك الموضع الشريف ، وغنموا ما لا يقع عليه الإحصاء». وجمع الفرنج اليهود في الكنيسة وأحرقوها عليهم ، وهدموا المساجد وقبر الخليل ، وأحرقوا المصاحف.
قال ميشو : «وقد ارتكب الصليبيون في فتح القدس أنواع التعصب الأعمى الذي لم يسبق له نظير ، حتى شكا من ذلك المنصفون من مؤرخيهم ، فكانوا يكرهون العرب على إلقاء أنفسهم من أعالي البروج والبيوت ويجعلونهم طعاما للنار ، ويخرجونهم من الأقبية وأعماق الأرض ويجرونهم في الساحات ، ويقتلونهم فوق جثث الآدميين. ودام الذبح في المسلمين أسبوعا حتى قتلوا منهم كما اتفق على ذلك مؤرخو الشرق والغرب سبعين