ستين قرنا في هذه البوتقة الجميلة مضافة الى الأصول التي كانت فيها من قبل ونعني بهذه البوتقة الديار الشامية.
العناصر القديمة والعرب :
كل أمة عظيمة عرفت في الشام طال عمرها بضعة قرون ثم فنيت في غيرها وأدغم الضعيف في القوي وتمثل المغلوب في الغالب مع توالي الأيام والليالي. وهكذا يقال في السريان والعبران واليونان والرومان. ويمكن أن يقال في الجملة إنه كان في الشام منذ القرن السادس عشر قبل الميلاد شعوب كثيرة أهمهم الكنعانيون النازلون في الجنوب والوسط والشمال والآراميون ، وما وراء ذلك من الشمال يسكنه الحثيون. ولم تطل حياة عنصر في صحة بالشام كما طالت حياة العرب فإنهم فيها على أصح الأقوال منذ زهاء الفين وخمسمائة سنة وأوصله بعضهم الى نحو أربعة آلاف سنة ، وهم الذين اندمج فيهم عامة الشعوب القديمة واستعربت فلم تعد تعرف غير العربية لسانا ومنزعا. ولذلك كان من المعقول أن يدلّ الشامي بعربيته أكثر من إدلاله بفينيقيته وروميته وسريانيته وعبرانيته. وفي تاريخ فلسطين أن العرب دخلوا فلسطين قبل الإسلام بقرون. والدليل أن نرحم سين ابن سرجون غزا فلسطين سنة ٣٨٠٠ ق. م. وصادف في سينا حكومة عربية ثم حارب قبيلة معان العربية وأسر أميرها ، وقد ظهر من آثار بابل ما يثبت ذلك. ومنها أن سرجون الثاني غزا عرب البادية الذين اعتدوا على السامرة وأخضع قبائلهم ومنها ثمود ومدين ومساكنهم شرقي الأردن وحارب عباديد وأخذ منهم طائفة وأسكنها في السامرة. ولما جاء الإسكندر الى غزة وحاصرها كانت حاميتها عربا فقاومته أشد مقاومة ، ومنها أن أحد تلامذة المسيح بشر بلغات عديدة منها اللغة العربية كما ورد في أعمال الرسل ، ومنها أن الحارث حاكم دمشق كان عربيا لما دخلها بولس الرسول كما ورد في رسالته الى اهل مدينة كورنثوس ، ومنها أن تيطس لما جاء لفتح القدس كان معه الحارث ملك العرب يقود فرقة عربية ، ومنها أن هركانوس المكابي التجأ الى الحارث ملك العرب فأنجده وساعده على أخيه