إلى معرفته من ناحيتنا ، فادفع إليه هذه الرقعة ، فلما صار الشعبي إلى عبد الملك ذكر له ما احتاج إلى ذكره ، ونهض من عنده ، فلما خرج ذكر الرقعة ، فرجع فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه حملني إليك رقعة نسيتها حتى خرجت ، وكانت في آخر ما حمّلني فدفعها إليه ونهض ، فقرأها عبد الملك فأمر برده ، فقال : أعلمت ما في هذه الرقعة؟ قال : لا ، قال : فيها عجبت من العرب كيف ملكت غير هذا ، أفتدري لم كتب إليّ بهذا؟ فقال : لا ، فقال : حسدني بك ، فأراد أن يغويني (١) بقتلك ، فقال الشعبي : لو كان رآك يا أمير المؤمنين ما استكثرني ، فبلغ ذلك ملك الروم ، فذكر عبد الملك ، فقال : لله أبوه ، والله ما أردت إلّا ذاك.
أخبرنا أبو العزّ بن كادش ، أنا محمّد بن الحسين بن الفرّاء ، أنا أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن سويد ، نا الحسين بن القاسم الكوكبي ، نا أبو بكر بن أبي خيثمة ، نا محمّد بن يزيد القاضي ، حدّثني عمي كثير بن محمّد ، نا عبد الله بن عياش ، قال : سمعت الشعبي يقول : بعث إليّ عبد الملك فكنت أحادثه ، فما رأيت رجلا أعلم منه ، ما حدثته بحديث قط إلّا زادني فيه ، وإن كنت لأحدّثه وفي يده اللقمة فيمسكها ، فأقول : يا أمير المؤمنين امضها لسبيلها أو ردها فيقول : حديثك أحبّ إليّ منها ، وكنت عنده ذات ليلة فتمطّى ثم قال : لتذكرني ما قال الشاعر (٢) :
كأنّي وقد جاوزت سبعين حجّة |
|
خلعت بها عنّي عذار لجامي |
رمتني بنات الدّهر من حيث لا أرى |
|
فكيف بمن يرمى وليس برامي |
فلو أنّ ما أرمى بسهم رأيته |
|
ولكنّما أرمى بغير سهام |
فقلت له : يا أمير المؤمنين لكنك كما قال لبيد :
كأنّي وقد جاوزت سبعين حجّة |
|
خلعت لها عن منكبيّ ردائيا (٣) |
فعاش حتى بلغ سبعا وسبعين فقال (٤) :
أمست تشكّى إليّ النفس مجهشة |
|
وقد حملتك سبعا بعد سبعينا |
__________________
(١) كذا بالأصل وم ، وفي تاريخ بغداد : يغريني.
(٢) نسب الأبيات محقق المطبوعة إلى عمرو بن قميئة ، انظر تخريجها في حاشية المطبوعة.
(٣) البيت في ديوان لبيد ط بيروت ص ٢٣٩ (فيما نسب إليه) وانظر تخريجه فيه.
(٤) البيت في ديوان لبيد ص ٢٢٥ (فيما نسب إليه) باختلاف الرواية.