بالحرة أن تشتم بعلا ، ولا تظهر جهلا ، فقال لها معاوية : عزمت عليك إلّا أجبتيه ، فقالت (١) : يا أمير المؤمنين هو ما علمته سئول جهول ملح بخيل ، إن قال فشرّ قائل ، وإن سكت فذو دغائل ، ليث حيث تأمن ، ثعلب حين يخاف ، شحيح حين يضاف ، إن ذكر الجود انقمع لما يعرف من قصور شأنه ، ضيفه جائع ، وجاره ضائع ، لا يحفظ جارا ، ولا يحمي ذمارا ، ولا يدرك ثارا ، أكرم الناس عليه من أهانه ، وأهونهم عليه من أكرمه ، فقال معاوية : سبحان الله ولما تأتي به هذه المرأة يا أبا الأسود ، فقال أبو الأسود : أصلح الله الأمير إنّها مطلقة ، ومن أكثر كلاما من مطلّقة ، فقال لها معاوية : إذا كان الرواح فاحضري حتى أفصل بينك وبينه ، فلما كان الرواح جاءت وقد احتضنت ابنها ، فلما رآها أبو الأسود قام إليها لينتزع ابنه منها ، فقال له معاوية : مه يا أبا الأسود ، ولا تعجل على المرأة أن تنطق بحجتها ، فقال : يا أمير المؤمنين أنا أحقّ بابني منها ، حملته قبل أن تحمله ، ووضعته قبل أن تضعه ، وأنا الأب وإليّ ينسب ، فقالت (٢) : صدق ، حمله خفّا وحملته (٣) ثقلا ، ووضعه شهوة ووضعته كرها ، لم أحمله في غبر ولم أرضعه غيلا ، فبطني له وعاء ، وحجري له وقاء ، فقال أبو الأسود عند ذلك ، شعر (٤) :
مرحبا بالّتي تجور علينا |
|
ثم (٥) سهلا بالحامل المحمول |
أغلقت بابها عليّ وقالت |
|
إنّ خير النساء لذات البعول |
شغلت نفسها (٦) عليّ فراغا |
|
هل سمعتم بالفارغ المشغول؟ |
فقالت مجيبة له :
ليس من قال بالصواب وبالحقّ |
|
كمن حاد عن منار السبيل |
كأن ثديي سقاة حين يضحي |
|
ثم حجري وقاءه بالأصيل |
لست أبغي بواحدي يا ابن حرب |
|
بدلا ما علمته والخليل |
فقال معاوية مجيبا لهما :
ليس من قد غذّاه حينا صغيرا |
|
ثم سقاه ثديه بجدول |
__________________
(١) بالأصل : فقال ، خطأ.
(٢) بالأصل : فقال ، خطأ.
(٣) بالأصل : «وحمله» والصواب عن إنباه الرواة ١ / ٥٧.
(٤) الأبيات في ديوان أبي الأسود ص ١٦٣ والوافي بالوفيات ١٦ / ٥٣٥.
(٥) الديوان : ثم أهلا بحامل محمول.
(٦) الديوان : قلبها.