طافوا به مضر فعادوا قلبا كما كانوا حيث التقوا وسادوا في أمر جديد ، ووقفت ربيعة البصرة ميمنة وتميمهم (١) ميسرة ، وقالت عائشة : خلّ يا كعب عن البعير ، وتقدم بكتاب الله فادعهم إليه ، ودفعت إليه مصحفا ، وأقبل القوم وأمامهم السبئية يخافون أن يجري الصّلح ، فاستقبلهم كعب بالمصحف (٢) ، وعليّ من خلفهم يوزّعهم ويأبون إلّا أقداما ، فلما دعاهم كعب رشقوه رشقا واحدا (٣) فقتلوه ، ثم رموا (٤) [أم] المؤمنين فجعلت تنادي يا بنيّ ، البقية البقية ـ ويعلو صوتها كثرة ـ الله الله ، اذكروا الله والحساب ، ولا يأبون إلّا إقداما فكان أول شيء أحدثته حين أبوا أن قالت : أيها الناس العنوا قتلة عثمان وأشياعهم ، وأقبلت تدعو.
وضج أهل البصرة بالدعاء ، وسمع عليّ الدعاء فقال : ما هذه الضجة؟ فقالوا : عائشة تدعو ويدعون (٥) معها على قتلة عثمان وأشياعهم ، فأقبل يدعو وهو يقول : اللهمّ العن قتلة عثمان وأشياعهم ، وأرسلت إلى عبد الرّحمن بن عتّاب ، وعبد الرّحمن بن الحارث : اثبتا مكانكما ، وذمّرت الناس حين رأت أن القوم لا يريدون غيرها ، ولا يكفّون عن الناس ، فازدلفت مضر فصفقت مضرا الكوفة حتى زوحم عليّ ، فنخس عليّ قفا محمّد فقال : احمل ، فتوك (٦) ، فأهوى علي إلى الراية ليأخذها منه ، فحمل ، فترك الراية في يده ، وحملت مضر الكوفية ، فاجتلدوا قدّام الجمل حتى ضرسوا ، والمختبآت (٧) على حالها لا تصنع شيئا ، ومع علي أقوام غير مضر ، فيهم زيد بن صوحان ، فقال له رجل من قومه : تنحّ إلى قومك ، ما لك لهذا الموقف ، ألست تعلم أن مضر بحيالك ، وأن الجمل بين يديك ، وأن الموت دونه ، فقال : الموت خير من الحياة ، الموت ما أريد ، فأصيب هو وأخوه سيحان ، وارتثّ صعصعة واشتدت الحرب ، فلما رأى ذلك علي بعث إلى اليمن وإلى ربيعة أن اجتمعوا على من يليكم ، فقام رجل من عبد القيس ، فقال : ندعوكم إلى كتاب الله ، فقالوا : كيف تدعونا إلى كتاب الله من لا
__________________
(١) الطبري : ومنهم ميسرة.
(٢) الأصل : المصحف.
(٣) بالأصل : واحد.
(٤) بالأصل : ثم راموا المؤمنين.
(٥) عن الطبري ، وبالأصل : وتدعوني.
(٦) كذا ، وفي الطبري : فنكل.
(٧) كذا ، وفي الطبري : «والمجنبات» والمجنبتان من الجيش : الميمنة والميسرة (اللسان).