وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة فقال : أدركي فقد أبى القوم إلّا القتال ، لعلّ الله تعالى يصلح بك ، فركبت والبسوا هودجها الأدراع ، ثم بعثوا جملها وكان جملها يدعى عسكر ، حملها عليه يعلى بن أمية ، اشتراه بثمانين (١) دينار ، فلما برزت من البيوت ، وكانت بحيث تسمع الغوغاء وقفت ، فلم تلبث أن سمعت غوغاء شديدا فقالوا : ما هذا؟ فقال : ضجة العسكر ، قالت : بخير أم بشر؟ قالوا : بشرّ ، قالت : فأيّ الفريقين كانت منهم هذه الضجة فهم المهزومون ، وهي واقفة ، فو الله ما فجئنا إلّا الهزيمة ، فمضى الزّبير من سننه في وجهه فسلك وادي السباع ، وجاء طلحة سهم غرب فخلّ ركبته بصفحة الفرس ، فلما امتلأ موزجه دما وثقل قال لغلامه : أردفني وأمسكني ، وأبغني مكانا أنزل فيه ، فدخل البصرة ، وهو يتمثّل مثله ومثل الزّبير :
فإن تكن الحوادث أقصدتني |
|
وأخطأهنّ سهمي حين أرمي |
فقد ضيّعت حين تبعت سهما |
|
سفاهة ما سفهت وضلّ حلمي |
ندمت ندامة الكسعيّ لمّا |
|
شريت رضى بني سهم برغمي |
أطعتهم تفرقة آل لأبي (٢) |
|
فألقوا للسّباع دمي ولحمي |
فلما (٣) انهزم الناس في صدر النهار نادى الزّبير : أنا الزّبير ، هلمّوا إليّ أيها الناس ، ومعه مولى له ينادي : عن حواريّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم تنهزمون ، وانصرف الزّبير نحو وادي السّباع (٤) واتبعه فرسان وتشاغل الناس عنه بالناس ، فلما رأى الفرسان يتبعنه عطف عليهم ، ففرّق بينهم فكرّوا عليه ، فلما عرفوه قال : الزّبير ، دعوه فإذا نفر منهم علباء بن الهيثم ، ومرّ (٥) القعقاع في نفر بطلحة وهو يقول : إليّ عباد الله ، الصبر الصبر ، فقال له : يا أبا محمّد إنك لجريح ، وإنّك عما تريد لعليل ، فادخل الأبيات ، فقال : يا غلام ادخلني وابغني مكانا ، فدخل البصرة ومعه غلام ورجلان ، وأقبل (٦) الناس بعده ، وأقبل الناس في هزيمتهم تلك وهم يريدون البصرة ، فلما رأوا الجمل
__________________
(١) في الطبري : بمائتي دينار.
(٢) الطبري : أطعتهم بفرقة آل لأي.
(٣) من هنا تتمة الخبر في تاريخ الطبري ٣ / ٤٣.
(٤) تقرأ بالأصل : «السبيع» وتقرأ : «السباع» والمثبت يوافق الطبري.
(٥) بالأصل : «علباء بن الهردم القعقاع» والصواب عن الطبري.
(٦) الطبري : واقتتل الناس.