كفره بعد هلاك يوسف ، وكأنّه قد استراح بموت يوسف .. وهناك أحاديث تدلّ على إسلام الشعب المصري على يده.
(كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ)
وهنا تكشف الآية عن سبب موقفهم المنحرف من الحق ، وهو إسرافهم من الناحية العملية ، فلا يقنعون بما عندهم من الخير والنعمة ، وارتيابهم من الناحية النظرية والنفسية ، فلا يسلّمون للحق والبينات ، وإذا أمعنّا النظر لوجدنا كلتا الصفتين تنتهيان إلى صفة واحدة هي عدم التسليم للحق ، وعدم الاكتفاء بما أعطاهم الله ، وطلب المزيد ، المزيد من النعم الى حدّ الإسراف ، والمزيد من الأدلّة إلى حدّ الجدل في الآيات الواضحات.
وتدلّ هذه الآية على أنّه كانت ليوسف رسالة الى قوم مصر ، وقد وفّر الله لهم فرصة الهداية بهذه الصورة الفريدة حيث جعل مليكهم الحبيب رسولا إليهم لعلّهم يهتدون. ولعلّ الحكمة في ذلك كانت شدّة تعلّق الشعب المصري ذا الحضارة النهرية بالسلطة السياسية مما حدى بموسى ـ عليه السلام ـ أيضا الى التوجّه الى شخص فرعون الحاكم الأعلى لبلادهم.
[٣٥] ونسأل : من هم المرتابون؟ ويجيب القرآن : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) ، ويحاولون تحريفها من دون أدنى حجة ، والحال أنّ الذي يخالف فكرة مّا لا بد أن يأتي بأخرى مثلها أو أفضل منها.
(الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ)
وتشمل الآية ـ كما يبدو ـ الذين يحرّفون آيات الله ، ويتصرّفون فيها بغير تفويض من الله ، فهم يضعون أنفسهم مواضع الحكم بلا سلطان من الله.