الحياة عرفناها أو جهلنا بها.
من هنا بدل أن يدفعنا الحرص الى الصراعات الاجتماعية دعنا نطبّق المناهج الإلهيّة فهي كفيلة بتحقيق طموحاتنا المشروعة ، سواء عرفنا حكمتها وبالتالي علاقتها بتلك الطموحات أم لم نعرف ، لأنّنا لا بدّ أن نعترف بعجزنا عن الإحاطة علما بدين الله ، أليس دين الله آية علمه ، فهل يزعم أحد بأن يبلغ بعلمه مستوى علم ربّه؟ ومن هنا جاء في الحديث :
«إنّ دين الله لا يقاس بالعقول»
وبهذه الرؤية العميقة والواقعية للحياة يتقدّم الإسلام خطوة على المادية ، وخطوتين على القدرية ، فالقدرية تعتقد بانعدام العلاقة بين سعي الإنسان وواقعه منكرة بذلك عقلائية الأنظمة الحاكمة على الكائنات ، أمّا المادية العمياء فتعتقد بأنّ نظام الكون عقلائي ، ولكنها لا تعترف إلّا بالعلاقات الظاهرة في هذا النظام ، منكرة العلاقات الخفيّة التي يكشفها الغيب.
بينما الإسلام بواقعيّته يؤمن بعلاقة أكيدة بين سعي الإنسان وواقعه ، مرة عن طريق العوامل المادية الظاهرة ، وأخرى عن طريق العوامل الغيبية ، وذلك انطلاقا من الإعتقاد بأنّ كل ما يجري على الإنسان ، بل كل ما يجري في الحياة ، إنّما هو بعلم الله وبإذنه ، وهو لا يمنع أو يأذن إلّا بحكمة بالغة يعلمها عزّ وجل ، وهو القائل : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (١)
وتؤكّد آيات القرآن هذه الحقيقة ببيان هيمنة الله على نظام الكون ، فالسحب التي تجمعها الأقدار ، والمطر الذي يهطل على الأرض الجرداء فيبعث فيها الحياة من
__________________
(١) الرعد / (١١) .