أيضا ، ولو انهم خسروا هذا النعيم المحدود بسبب إيمانهم بالرسالة ، فان الله سيعوّضهم ما هو أفضل منه في الدار الآخرة ، فكيف والحال ان الايمان بها يمنحهم مزيدا من النعيم في الدنيا ، والثواب في الآخرة؟!
والدرس بمجمله يطهرّ القلب من أدران حب الدنيا المانعة من الايمان بالرسالة ، وذلك من خلال بيان خطأ موقف أهل مكة الذين لم يبادروا الى الايمان خشية فقدان مصالحهم العاجلة.
بينات من الآيات :
[٥٧] ترى بعض النظريات ان المدنية تورث الخوف لأن أهلها يريدون الاحتفاظ بمكتسباتها ، فيقدمون التنازلات لدرء الاخطار عن أنفسهم ، ولعل أهل مكة كانوا في هذه المرحلة. إذ كانوا يخشون من الاصطدام مع قبائل العرب حتى لا يخسروا مكتسباتهم ، وكانت القضية التي يتوقع انها تثير العرب ضدهم هي ايمانهم بالرسالة الجديدة ، فكفروا بها وقالوا : نخشى ان تزول حالة الأمن التي نعيشها لو أننا آمنا ، فتطفق العرب باقتحام بلدنا ، واختطافنا من الأرض.
(وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا)
وفي هذا الحديث اعتراف منهم بان سبب كفرهم بالرسالة ليس في نقص الادلة ، بل اتباعهم الهوى المتمثل في مصالحهم الخاصة ، وقد رد الله عليهم :
١ / ان مصدر هذه النعم هو الله ، وليس الناس حتى يتصوروا ان الاختلاف معهم سوف يؤدي الى زوالها ، فالله هو الذي جعل الكعبة محلّا آمنا ، وفرض على الناس جميعا ومن فيهم العرب ـ من الناحية التشريعية الدينية ـ الالتزام بحرمتها والا لما كانت مكة بلدا آمنا في عرف قوم شعارهم الخوف ، ودثارهم السيف ،