بهذه العبارة المختصرة التي تتضمن الخبر والتحليل اكتفى هذا الرجل.
[٢١] كما ان موسى (ع) لم يفوت على نفسه لحظة واحدة ، إذ كان يملك القرار الحازم ، بالاضافة الى البصيرة النافذة ، ويعبّر عن مجموع هاتين الصفتين بسرعة البديهة ، وكم من المجاهدين وقعوا في يد الأنظمة لأنهم لا بديهة لهم ، فتراهم عند ما يسمعون بأن شيئا غير عادي يحوط بهم. تراهم يترددون في اتخاذ القرار المناسب ربما لصعوبته عليهم ، كقرار الاختفاء ، أو الهجرة ، أو التصدي ، فيقعون في محذورات أكبر.
(فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
وكان يحمل معه في هجرته زاد التوكل وهو أعظم زاد.
[٢٢] لقد كان موسى مهاجرا بالمعنى المعنوي ، عند ما هجر سلوكيات المجتمع المنحرفة ، أما الآن فانه بدأ الهجرة العملية بمضمونها المادي أيضا ، وللهجرة في سبيل الله فوائد عظيمة. من أهمها تزكية نفس الإنسان ، فأول ما يقوم به المهاجر في سبيل الله هو تزكية نفسه. ذلك ان وعثاء السفر ، والغربة ، والابتعاد عن المجتمع الفاسد ، ومواجهة التحديات ، والمشاكل الجديدة ، و.. و.. كل هذه الأمور بوتقة لصياغة شخصية الإنسان باتجاه التكامل ، وهكذا كانت الهجرة تعني بالنسبة لموسى (ع) فقد كان يبحث عن الهدى ، ولم تكن هجرته للهروب عن المصاعب والمشاكل. كلا .. فهو لا يزال يفكر في قومه.
ان قسما من الناس حينما يهاجرون عن شعوبهم ، ويجدون الرخاء والأمن في البلد الآخر ، ينسون بلادهم وشعبهم ، وكل الدموع والدماء والمآسي التي لا يزال شعبهم يعاني منها ، وهذا خطأ كبير ، وانحراف بالغ ، لأنك حينما تهاجر فلكي