بيني وبينه من المواعظ حتى انتهيت إلى طاعته ، فقلت له : جعلت فداك إنّ ابن أكثم سألني عن مسائل أفتيه فيها ، فضحك ثم قال : هل أفتيته فيها؟ قلت : لا ، قال : ولم؟ قلت : لم أعرفها ، قال هو : ما هي؟ قلت : قال : أخبرني عن سليمان أ كان محتاجا إلى علم آصف بن برخيا؟ ثم ذكرت المسائل قال :
أكتب يا أخي : بسم الله الرحمن الرحيم ، سألت عن قول الله تعالى في كتابه : «قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ» فهو آصف بن برخيا ، ولم يعجز سليمان عن معونة ما عرف آصف ، لكنّه ـ صلوات الله عليه ـ أحبّ أن يعرف من الجن والانس أنه الحجّة من بعده ، وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله ، ففهّمه الله ذلك لئلا يختلف في إمامته ودلالته ، كما فهم سليمان في حيوة داود ، ولتعرف إمامته ونبّوته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق (٢)
بلى. إنّ سليمان (ع) اختار آصف بن برخيا للقيام بذلك الدور من أجل أن يبيّن للناس أنّه الوصي من بعده ، وحين نقرأ تاريخ الأنبياء (ع) نجد أنّهم يختارون مواقف معينة يظهرون فيها أوصياءهم ، حتى يكون واضحا عند الناس من هو الخليفة من بعدهم ، وهكذا لا يرحلون إلّا بعد أن يجعلوا لمستقبل الرسالة ضمانا.
ونستوحي من سورة النمل بأن الملك يقوم على ثلاثة أركان هي : العلم ، وأعلى مراتبه أن يستفيد الإنسان من خبرات الآخرين وعقولهم «وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» والحزم «فَإِذا عَزَمْتَ» والتوكل «فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ» ولقد اجتمع لسليمان (ع) الملك والقوة والطاعة من رعيته ، وكان في جنده من يستطيع أن يحمل عرشا كعرش بلقيس ، ويأتي به من بلد بعيد كاليمن ـ خلال طرفة عين ـ ولكن ذلك كله لم يكن أساسا حقيقيا لملكه ، بل ان القوة الحقيقية التي استند عليها هي الأمداد
__________________
(٢) المصدر ص (٩١).