استصغرها واستصغرهم أيضا ، ولمّا عاد الرسول الى بلقيس وأخبرها بما جرى عرفت أنّ سليمان ليس كسائر الملوك ، ولمّا كان الرسول يحمل تهديدا بالزحف نحو مملكتها إن لم تأت بلقيس وقومها مسلمين ، جمعت أمرها على المسير الى سليمان ، وقبل أن تتحرك من اليمن كان سليمان يبحث عمن يأتيه بعرشها الذي يبلغ (٢٥) ذراعا طولا وعرضا وارتفاعا وكان ذهبا ، فقام عفريت من الجن وقال : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) ، فقام (آصف بن برخيا) وصيّ سليمان ، وكان عنده علم الاسم الأعظم ، فقال : انا آتيك بعرشها قبل ان يرتدّ إليك طرفك ، فأمره سليمان بذلك ، فرأى العرش أمامه في لحظة ، وآنئذ أمر سليمان بإجراء تغيير بسيط فيه ، وذلك بأن تجعل مقدمته فضة بدل الذهب ، وسأل بلقيس ان كان هذا عرشها ، فنظرت اليه نظرة تفكّر ، ثم قالت : كأنه هو ، وتدلّ إجابتها على رجاحة عقلها ، إذ تعرّفت على عرشها رغم تنكيره ، ولم تتعجب من انتقاله من تلك المسافة البعيدة الى قصر سليمان ، ولكن الذي أثار دهشتها ، أنّ عرشها كان في سبعة أروقة متداخلة ، وكلها مغلقة ، ويحيطها الخدم ، والجيش ، ولم يكن قد طرأ تغيير في ملكها سوى انتقالها هي الى مملكة سليمان (ع) فكيف انتقل عرشها؟! فعرفت أنّه انتقل بقدرة قادر عظيم.
إنّ هدف سليمان من إحضار العرش هو تذكير بلقيس بأن معرفتها لم تنفعها ، وإنّ قوتها ليست بكبيرة ، وان ما بنته ليس سوى نسج للعنكبوت ، لأنه لا يستند على قوة الإيمان ، ولكنها لم تفهم المغزى إذ كانت تفقد بصيرة الايمان التي تهديها الى بواطن الأمور ـ كما هو حال الكثير من المثقفين في عالم اليوم ـ ولكي يختبرها ويعرفها على الحقيقة أكثر أمر سليمان بأن يوضع عرشه في مكان ما ، وأجرى بين عرشه والباب ماء ، ووضع على الماء جسرا من الزجاج ، جعل تحته بعض الأسماك ، والأحياء المائية ، ثم أمر بإدخال بلقيس ، فلمّا فوجئت بالماء ، ظنّت أنّ