الباقية كافية لدفعه مضافاً إلى لزوم اختلاف النسختين في حاصل المعنى بل تناقضهما في ذلك كما يظهر بالتأمّل ، فالوجه إرادة التلفيق من الحديث على النسختين ، ومنه يعلم دلالته على اشتراط الرجوع لليوم على التقديرين.
الثالث من هذه الأخبار : ما روي «أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) خرج من الكوفة إلى النخيلة فصلّى بالناس الظهر ركعتين ثمّ رجع من يومه» قال في «البحار (١)» عند نقل أقوال العامّة في تحديد المسافة : قال الحسين بن مسعود في شرح السنّة : ذهب قوم إلى إباحة القصر في السفر القصير ، روي عن عليّ (عليه السلام) أنّه خرج إلى النخيلة فصلّى بهم الظهر ركعتين ثمّ رجع من يومه. وقال عمر بن دينار. قال لي جابر بن زيد : اقصر بعرفة ، ثمّ قال : وأمّا عامّة الفقهاء فلا يجوّزون القصر في السفر القصير وذكر اختلافهم في تحديد الطويل ، وحكى عن جملة الأقوال فيه التحديد باليوم التامّ كما ذهب إليه الأوزاعي ونقله عن عامّة الفقهاء.
و «النخيلة» هي معسكر الكوفة ولها ذكر كثير في المغازي والسِيَر ، وقد عسكر بها أمير المؤمنين (عليه السلام) في خروجه إلى الشام في حرب صفين وقال في خطبته : أغدوا إلى معسكركم بالنخيلة (٢). ثمّ خرج إليها وأقام بها حتى وافته الجنود من الأطراف ولم يرجع منها حتّى أتاه ابن عباس بعساكر البصرة ثم أقام بها بعد رجوعه من حرب النهروان وأمر الناس أن ينزلوا. بها ويوطّنوا أنفسهم على الجهاد ويقلّوا من زيارة أبنائهم ونسائهم حتّى يسيروا ثانياً إلى الشام ، فأقام
__________________
(١) بحار الأنوار : باب وجوب قصر الصلاة ج ٨٩ ص ١٥.
(٢) لم نعثر في كتب الحديث على هذا التعبير الّذي نقله الشارح ، نعم في كتاب وقعة صفين بعد أن ذكر كتاب معاوية إلى محمّد بن أبي بكر (رحمه الله) قال : وأمر الحارث الأعور ينادي في الناس : أن اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة ، فنادى : أيها الناس اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة ، انتهى. وفي آخر الخطبة المروية عن نوف البكالي الّتي نقلها في نهج البلاغة : ألا وإنّي معسكر في يومي هذا فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج ، راجع وقعة صفين : ص ١٢١ ، ونهج
البلاغة : ص ٢٦٤ خطبة ١٨٢.