الخروج إلى القرية فيكون اعتباره فيه كاعتبار أصل المسافة الّتي هي مسيرة يوم.
وحاصله : أنّ هذا الخروج لولا القرية سفر مستجمع لشرائط القصر والإفطار لوجود المسافة الّتي هي هنا مسيرة يوم ذاهباً وراجعاً وتحقّق الرجوع لليوم الّذي هو شرط في السير الملفّق ، إلاّ أنّه لمّا كان مشتملا على قصد القرية القاطعة للسفر في أثناء المسافة وجب الإتمام والصيام ، وكان الكلام بمثابة أن يقال : إنّ استثناء هذا السفر لمكان القرية لا لانتفاء المسافة أو فقد شرطها الّذي هو الرجوع لليوم ، فيكون الرجوع لليوم شرطاً كالمسافة ، وهو المطلوب.
وقد يظهر بما قرّرنا انطباق الحديث على مذهب المشهور ودلالته عليه من دون قصور وإن غفل عنه شرّاح الحديث والناظرون في المسألة مع شدّة تطلّبهم لمستند هذا الحكم ، ولا غرو في ذلك ففي المثل السائر : كم ترك الأوّل للآخر.
فإن قيل : دلالة الحديث تتوقّف على اختصاص البيتوتة بالليل وهو غير معلوم ، فقد صرّح الفيّومي في «المصباح المنير (١)» بأنّها تأتي لمطلق الصيرورة ، قال : يقال بات في موضع كذا أي صار به في ليل كان أو نهار ، وجعل منه قوله (عليه السلام) «لأنّه لا يدري أين باتت يده» أي صارت. وقال الصاحب بن عبّاد في «المحيط (٢)» البيتوتة دخولك في البيت وبت أفعل كذا أي بالليل ويستعمل في النهار أيضاً ، كأنّ مراده استعمالها في النهار لكونه فرداً من مطلق الصيرورة لا لخصوص كونه نهاراً فيرجع إلى ما في المصباح. وحينئذ فجاز أن يكون قوله (عليه السلام) في الحديث «يبيت إلى أهله» بمعنى يصير ، ويكون مدلوله اشتراط الرجوع مطلقاً لا خصوص الرجوع لليوم ، ويؤيّده قوله «إلى أهله» فإنّ الصيرورة تستعمل مع «إلى» فكذا البيتوتة إذا كانت بمعناها.
__________________
(١) المصباح المنير : ص ٦٧ مادّة «بات».
(٢) المحيط في اللغة : حرف التاء والباء ص ٥١٢ مادّة «بيت» (مخطوط في المكتبة الرضوية برقم ٣٣٩).