المسافة كما قيل (١) لابتنائه على عموم المنزلة ولا على أنّ خروج المقيم إلى عرفات موجب للقصر ، لاحتمال أن يكون الوجه في تقصيره انتقاض حكم الإقامة بالخروج إلى ما دون المسافة كما ذهب إليه الشيخ (٢) ومَن وافقه (٣) فإنّهم فرضوا المسألة في خروج المقيم بمكّة إلى عرفات وصرّحوا بوجوب القصر عليه ذهاباً وإياباً وفي المقصد وفرّقوا في ذلك بين المقيم والمتوطّن ، لكن ما ذهبوا إليه من إطلاق القصر في حقّ المقيم خلاف التحقيق فإنّ الأظهر وجوبه في الرجوع خاصّة دون الذهاب والمقصد ، وبه قال الشهيدان (٤) وأكثر المتأخّرين (٥) ، وعليه يتوجّه دلالة الحديث على أنّ الخروج إلى عرفات سفر موجب للقصر حيث لم يفرّقا فيه بين حالتي الرجوع وغيره ، ولو كان الوجه فيه خروجه إلى ما دون المسافة لوجب التفصيل.
وقد تبيّن من هذا وما قبله أنّ الحديث دليل على أنّ الخروج من مكّة إلى عرفات سفر يجب به القصر على المتوطّن والمقيم سواء أُريد بالمنزلة فيه العموم أو الخصوص. وهذا هو محلّ الحاجة إلى الحديث هنا.
وأمّا ما تضمّنه من إتمام المقيم إذا رجع من عرفة إلى مكّة فالوجه فيه على تخصيص المنزلة أنّ مكّة من مواضع التخيير والأفضل فيها هو الإتمام ، فيكون الأمر به محمولا على الاستحباب أو الوجوب التخييري. ولا يتوجّه عليه ما سبق من الإيراد فإنّه مبنيّ على عموم المنزلة والمفروض حينئذ خلافه.
__________________
(١) تقدّم القائل بذلك في ص ٣٧٥ هامش ٣.
(٢) المبسوط : في صلاة المسافر ج ١ ص ١٣٨.
(٣) كابن إدريس في السرائر : في أحكام صلاة المسافر ج ١ ص ٣٤٥ ، والمحقّق في الشرائع : في صلاة المسافر ج ١ ص ١٣٦ ، والقاضي في المهذّب : ج ١ ص ١٠٢.
(٤) البيان : في صلاة المسافر ص ١٦٠ ، وحاشية الإرشاد (غاية المراد) في صلاة المسافر ج ١ ص ٢٢٥ ، وروض الجنان : ص ٣٩٩ س ٢٧.
(٥) كابن فهد في الموجز الحاوي (الرسائل العشر) : ص ١٢١ ، والكركي في جامع المقاصد : ج ٢ ص ٥١٥ ، والسيّد في المدارك : ج ٤ ص ٤٨١.