وتناولها له من باب العموم حيث إنّه الفرد الغالب للمسير المذكور فلا يختصّ الحكم بغيره.
وإنّما أفردنا هذه الأحاديث عن أخبار القسم الثالث الدالّة على اشتراط الرجوع وعن روايات القسم الثاني الظاهرة في عدم اشتراطه لأنّ ما تضمّنته هذه الأحاديث من وجوب التقصير على أهل مكّة في خروجهم إلى عرفة وهو القدر المشترك بينها غير ظاهر في شئ من الأمرين المذكورين بل هو محتمل لهما ، فإنّ الحكم بالتقصير عليهم يمكن استناده إلى الرجوع المتحقّق لهم في هذا السفر وإلى مجرّد حصول البريد وإن تحقّق الرجوع ، فإنّ حصول الشئ غير اشتراطه ، ومن الجائز أن يكون وجوب القصر فيه لكونه فرداً من أفراد المسافة الموجبة للقصر لا لما اتفق معه من خصوصية الرجوع ، ولذا أورد الكليني (رحمه الله) جملة من هذه الأخبار في «الكافي (١)» مع ذهابه إلى الأربعة المطلقة وتجريد كتابه من أخبار الرجوع بالمرّة ، وما ذلك إلاّ لأنّها لا تنافي مذهبه ، بل لا يبعد استفادة الاكتفاء بالبريد – كما ذهب إليه ـ من صحيحة معاوية بن عمّار (٢) الثالثة ورواية إسحاق بن عمّار (٣) اللتين رواهما الشيخ حيث أطلق فيها البريد في جواب السؤال عن مسافة القصر وإن جعل التقصير على أهل مكّة شاهداً عليه ، وكذا من سائر الأخبار لخلوّها عن الإشعار بمدخلية الرجوع حتّى قوله (عليه السلام) «وأيّ سفر أشدّ منه» (٤) إذ لا يتعيّن أن يكون ذلك لأجل الرجوع المشتمل على التكاليف والمشاقّ ، فهذه الأحاديث أقرب إلى مدلول القسم الثاني لكنها لا تبلغ حدّ الظهور فيه بحيث يصلح الاستناد إليها في إثباته ، فكان إفرادها عنه وعن غيره هو الأولى.
ويتعلّق بهذا النوع من الأخبار روايتان :
الأُولى : ما رواه الشيخ في «التهذيب» في باب زيادات فقه الحجّ عن حمّاد
__________________
(١) الكافي : ح ١ ـ ٥ ج ٣ ص ٤٣٢ ـ ٤٣٣.
(٢ و ٣) تهذيب الأحكام : ب ٢٣ من أبواب السفر ح ٤٩٩ و ٥٠٢ ج ٣ ص ٢٠٨ و ٢٠٩.
(٤) وسائل الشيعة : ب ٣ من أبواب صلاة المسافر ح ١ ج ٥ ص ٤٩٩.