وخرج إلينا فأصحر لنا ، فإما أن يظفر ، وإما أن نظفر به ، فيستريح الناس من هذا الحصر ، قال : فدخل القوم المسجد ، وقد كفوا رمي المنجنيق ، فمروا بابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وهو قائم يصلي خلف المقام ، فتركوه حتى طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم عادوا إليه ، فذكروا له ما قال لهم الحجاج ، فقال ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ : لو كان لهذا كارها لم يرم الكعبة نفسها ، والله ما تقع حجارته إلا فيها. قال : فنظر القوم إلى الكعبة متوهّنة من الحجارة.
قال الواقدي : وحدّثني عمر بن سعيد بن أبي حسين ، عن عبد الله (١) ، مولى أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت : لما كان قبل قتل ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ بيوم قالت أمه : خذلوه وأحبّوا الحياة ، ولم ينظروا لدينهم ولا لاحسابهم ، ثم قامت تصلي وتدعو ، وتقول : الّلهم إنّ عبد الله بن الزبير كان معظّما
لحرمتك ، كريه إليه أن تعصى ، وقد جاهد فيك أعداءك ، وبذل مهجة نفسه لرجاء ثوابك ، الّلهم فلا تخيّبه ، الّلهم إرحم طول ذلك السجود والنحيب / وطول ذلك الظمأ في الهواجر ، الّلهم لا أقول ذلك تزكية له ولكنه الذي أعلم وأنت أعلم به ، الّلهم وكان برّا بالوالدين. قال : فلما أصبحنا يوم الثلاثاء جاء أمّه فودعها ، ثم خرج من عندها ، فأصابته رمية فوقع ، فتغاور عليه فقتلوه (٢).
قال الواقدي : وحدّثني موسى بن يعقوب ، عن عمه ، أبي الحارث (٣) قال : إنّ اسماء ـ رضي الله عنها ـ قالت له : تصبر لله فانصرف من عندها وهو يقول :
__________________
(١) هو : ابن كيسان.
(٢) الطبري ٧ / ٢٠٤ ، وتهذيب ابن عساكر ٧ / ٤٢١.
(٣) هو : يزيد بن عبد الله بن وهب الزمعي.