وأما الوجه الثاني : فهو في غاية السقوط ، وبيانه من ثلاثة أوجه ، أحدها : أن العامل والمعمول من قبيل الألفاظ ، والاشتقاق من قبيل المعاني ، ولا يدلّ أحدهما على الآخر اشتقاقا. والثاني : أن المصادر قد تعمل عمل الفعل ، كقولك : يعجبني ضرب زيد عمرا ، ولا يدلّ ذلك على أنه أصل. الثالث : أن الحروف تعمل في الأسماء والأفعال ، ولا يدلّ ذلك على أنها مشتقة أصلا ، فضلا عن أن تكون مشتقّة من الأسماء والأفعال ، انتهى.
الثالثة : قال السهيليّ (١) : فائدة اشتقاق الفعل من المصدر أن المصدر اسم كسائر الأسماء يخبر عنه كما يخبر عنها كقولك : أعجبني خروج زيد ، فإذا ذكر المصدر وأخبر عنه كان الاسم الذي هو فاعل مجرورا بالإضافة والمضاف إليه تابع للمضاف ، فإذا أرادوا أن يخبروا عن الاسم الفاعل للمصدر لم يكن الإخبار عنه وهو مخفوض تابع في اللفظ لغيره ، وحقّ المخبر عنه أن يكون مرفوعا مبدوءا به فلم يبق إلا أن يدخلوا عليه حرفا يدلّ على أنه مخبر عنه ، كما تدلّ الحروف على معان في الأسماء ، وهذا لو فعلوه لكان الحرف حاجزا بينه وبين الحدث في اللفظ ، والحدث يستحيل انفصاله عن فاعله كما يستحيل انفصال الحركة عن محلّها ، فوجب أن يكون اللفظ غير منفصل لأنه تابع للمعنى ، فلم يبق إلا أن يشتقّ من لفظ الحدث لفظ يكون كالحرف في النيابة عنه دالا على معنى في غيره ، ويكون متصلا اتّصال المضاف بالمضاف إليه ، وهو الفعل المشتقّ من لفظ الحدث ، فإنه يدلّ على الحدث بالتضمن ويدلّ على الاسم مخبرا عنه لا مضافا إليه ، إذ يستحيل إضافة لفظ الفعل إلى الاسم ، كاستحالة إضافة الحرف ، لأن المضاف هو الشيء بعينه ، والفعل ليس هو الشيء بعينه ولا يدلّ على معنى في نفسه ، وإنما يدلّ على معنى في الفاعل وهو كونه مخبرا عنه.
فإن قلت : كيف لا يدلّ على معنى في نفسه وهو يدلّ على الحدث؟
قلنا : إنما يدلّ على الحدث بالتضمّن والدالّ عليه بالمطابقة هو الضرب والقتل ، لا ضرب وقتل ، ومن ثم وجب أن لا يضاف ولا يعرف بشيء من آلات التعريف ، إذ التعريف يتعلّق بالشيء بعينه لا بلفظ يدلّ على معنى في غيره ، ومن ثم وجب أن لا يثنّى ولا يجمع كالحرف ، وأن يبنى كالحرف ، وأن يكون عاملا في الاسم كالحرف. وإنما أعرب المضارع لأنه تضمن معنى الاسم ، كما أن الاسم إذا
__________________
(١) انظر بدائع الفوائد (١ / ٢٧).