قيل له : فهلّا لزموا حركة واحدة لأنها مجزئة لهم إذ كان الغرض إنما هو حركة تعقب سكونا؟
فقال : لو فعلوا ذلك لضيّقوا على أنفسهم فأرادوا الاتّساع في الحركات ولم يحظروا على المتكلم الكلام إلا بحركة واحدة ، هذا مذهب قطرب واحتجاجه.
وقال المخالفون له ردّا عليه : لو كان كما ذكر لجاز جرّ الفاعل مرة ورفعه أخرى ونصبه ، وجاز نصب المضاف إليه لأن القصد في هذا إنما هو الحركة تعاقب سكونا يعتدل بها الكلام ، فأي حركة أتى بها المتكلم أجزأته ، فهو مخير في ذلك ، وفي هذا إفساد للكلام وخروج عن أوضاع العرب وحكمة نظم في كلامهم.
واحتجّوا لما ذكره قطرب من اتفاق الإعراب واختلاف المعاني واختلاف الإعراب واتفاق المعاني في الأسماء التي تقدّم ذكرها بأن قالوا : إنما كان أصل دخول الإعراب في الأسماء التي تذكر بعد الأفعال لأنه يذكر بعدها اسمان أحدهما : فاعل والآخر مفعول ، ومعناهما مختلف فوجب الفرق بينهما ثم جعل سائر الكلام على ذلك ، وأما الحروف التي ذكرها فمحمولة على الأفعال.
المبحث الخامس : في أن الإعراب أحركة أم حرف؟
قال (١) الزجاجي : باب القول في الإعراب أحركة أم حرف : قد قلنا إن الإعراب دالّ على المعاني ، وإنه حركة داخلة على الكلام بعد كمال بنائه ، فهو عندنا حركة نحو الضمة في قولك : هذا جعفر ، والفتحة في قولك : رأيت جعفرا ، والكسرة في قولك : مررت بجعفر ، هذا أصله ، ومن المجمع عليه أن الإعراب يدخل على آخر حرف في الاسم المتمكن والفعل المضارع ، وذلك الحرف هو حرف الإعراب فلو كان الإعراب حرفا ما دخل على حرف ، هذا مذهب البصريين.
وعند الكوفيين : أن الإعراب يكون حركة وحرفا ، فإذا كان حرفا قام بنفسه ، وإذا كان حركة لم يوجد إلّا في حرف ، ثم قد يكون الإعراب سكونا وحذفا وذلك الجزم في الأفعال المضارعة وحرفا ، وهذا مما قد ذكرت لك أن الشيء قد يكون له أصل ثم يتسع.
فإن قال قائل : فأين يكون الإعراب سكونا وحذفا وحرفا؟
قيل له : يكون سكونا في الأفعال المضارعة السالمة اللامات نحو : لم يضرب ،
__________________
(١) انظر إيضاح علل النحو (٧٢).