الموضوع له لضرب من الإيجاز والاستحسان. وقال ابن السراج (في الأصول) : من
الأفعال ضرب مستعارة للاختصار وفيها بيان أن فاعليها في الحقيقة مفعولون نحو : مات
زيد ، ومرض بكر ، وسقط الحائط. وقال ابن يعيش : المضمرات وضعت نائبة عن غيرها من الأسماء الظاهرة لضرب من الإيجاز
والاختصار كما تجيء حروف المعاني نائبة عن غيرها من الأفعال فلذلك قلّت حروفها كما
قلّت حروف المعاني.
وقال أبو
الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) قولهم : لله درك من رجل ، (من) فيه للتبعيض
عند بعضهم والتقدير : لقد عظمت من الرجال ، فوضع المفرد موضع الجمع والنكرة موضع
المعرفة للعلم وطلبا للاختصار ، قال ونظير هذا قولك : كلّ رجل يفعل هذا ، الأصل كل
الرجال يفعل هذا ، فاستخفّوا فوضعوا المفرد موضع الجمع والنكرة موضع المعرفة لفهم
المعنى وطلبا للاختصار.
وقال أبو
البقاء في (اللّباب) وتلميذه الأندلسي في (شرح المفصل) : إنما دخلت (إنّ) على
الكلام للتوكيد عوضا من تكرير الجملة وفي ذلك اختصار تامّ مع حصول الغرض من
التوكيد ، فإن دخلت اللام في خبرها كان آكد ، وصارت إن واللام عوضا من ذكر الجملة
ثلاث مرات ، وهكذا (أنّ) المفتوحة إذ لو لا إرادة التوكيد لقلت ـ مكان قولك :
بلغني أن زيدا منطلق ، بلغني انطلاق زيد ، انتهى.
ومن الاختصار
تركيب (إمّا) العاطفة على قول سيبويه من (إن) الشرطية و (ما) النافية ؛ لأنها تغني عن إظهار
الجمل الشرطية حذرا من الإطالة ، ذكره في (البسيط).
وتركيب (أمّا)
المفتوحة من (أن) المصدرية و (ما) المزيدة عوضا من كان في نحو : أما أنت منطلقا
انطلقت ، وجعل (أما) الشرطية عوضا من حرف الشرط وفاعله في نحو
: أمّا زيد فقائم.
وقال ابن إياز
في (شرح الفصول) : إنما ضمنوا بعض الأسماء معاني الحروف طلبا للاختصار ، ألا ترى
أنك لو لم تأت (بمن) وأردت الشرط على الأناسي لم تقدر أن تفي بالمعنى الذي تفي به (من)
، لأنك إذا قلت : من يقم أقم معه ، استغرقت ذوي العلم ، ولو جئت (بإن) لاحتجت أن
تذكر الأسماء : إن يقم زيد وعمرو وبكر ، وتزيد على ذلك ولا تستغرق الجنس ، وكذلك
في الاستفهام ، انتهى.
__________________