الاسمية والخطاب ثم قد تخلع عنها دلالة الاسم في قولهم : ذلك وأولئك وهاك ، وابصرك زيدا ، وأنت تريد ابصر زيدا ، وليسك أخاك في معنى ليس أخاك ، وقولهم : أرأيتك زيدا ما صنع.
وحكى أبو زيد : بلاك والله وكلاك ، أي : بلى وكلّا ، فالكاف في جميع ذلك حرف خطاب مخلوعة عنه دلالة الاسمية ، ولا موضع لها من الإعراب ، ونظير ذلك التاء من (أنت) فإنها خلعت عنها دلالة الاسمية وتخلصت حرفا للخطاب ، والاسم (أن) وحده.
قال : ولم يستنكر الناس خطاب الملوك بالكاف في قول الإنسان مثلا للملك : ضربت ذلك الرجل ، لهذا المعنى وهو عروّها من معنى الاسمية.
قال : فإن قيل : فكان ينبغي أن لا يستنكر خطابه بأنت لما ذكر.
قيل : التاء وإن كانت حرف خطاب لا اسما ، فإن معها نفسها الاسم وهو (أن) من أنت ، فالاسم على كل حال حاضر وليس كذلك قولنا : (ذلك) لأنه ليس للمخاطب بالكاف هنا اسم غير الكاف ، كما كان له مع التاء اسم للمخاطب نفسه وهو (أن) ، والمقصود إعظام الملوك بأن لا تبتذل أسماؤها فاعرف الفرق بين الموضعين.
ومن ذلك الواو في نحو (أكلوني البراغيث) وقاموا إخوتك ، والألف قاما أخواك والنون في : [الطويل]
١٦٢ ـ [ولكن ديافيّ أبوه وأمه |
|
بحوران] يعصرن السليط أقاربه |
كلها مخلوعة من معنى الاسمية مقتصر فيها على دلالة الجمع والتثنية والتأنيث.
ومن ذلك قولنا : ألا قد كان كذا ، وقول الله سبحانه : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) [هود : ٥] فألا هذه فيها شيئان التنبيه وافتتاح الكلام ، فإذا جاء معها (يا) خلصت افتتاحا لا غير ، وصار التنبيه الذي كان فيها لـ (يا) دونها وذلك نحو قوله تعالى : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) [النمل : ٢٥] ، وقول الشاعر : [الطويل]
__________________
١٦٢ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (١ / ٤٦) ، والكتاب (٢ / ٣٥) ، والاشتقاق (ص ٢٤٤) ، وتخليص الشواهد (ص ٤٧٤) ، وخزانة الأدب (٥ / ١٦٣) ، والدرر (٢ / ٢٨٥) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٤٩١) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٣٣٦) ، وشرح المفصّل (٣ / ٨٩) ، وبلا نسبة في الجنى الداني (ص ١٥٠) ، وخزانة الأدب (٧ / ٤٤٦) ، والخصائص (٢ / ١٩٤) ، ورصف المباني (ص ١٩) ، وسرّ صناعة الإعراب (ص ٤٦٦) ، وهمع الهوامع (١ / ١٦٠).